ساكنة في موضع واحد من الجسد فلا يلزم على هذا القسم أن يسلب من العضو المقطوع ، بل يكون فعلها حينئذ في تحريكها الأعضاء كفعل حجر المغناطيس في الحديد وإن لم يلصق به يتلازمان فبطل هذا الإلزام الفاسد والحمد لله رب العالمين.
وقالوا : لو كانت النفس جسما لوجب أن نعلم ببعضها أو بكلها.
قال أبو محمد : وهذا سؤال فاسد بعينه والجواب وبالله تعالى التوفيق أنها لا تعلم إلا بكلها أو ببعضها ، لأن كل بسيط غير مركب من طبائع شتى ، فهو طبيعة واحدة وما كان طبيعة واحدة فقوته في جميع أبعاضه وفي بعض أبعاضه سواء كالنار تحرق بكلها وببعضها ، ثم لا ندري ما وجه هذا الاعتراض علينا بهذا السؤال ، ولا ما وجه استدلالهم منه على أنها غير جسم ولو عكس عليهم في إبطال دعواهم أنها جوهر لا جسم لما كان بينهم وبين السائل لهم بذلك فرق أصلا.
وقالوا : إن من شأن الجسم أنك إذا زدت عليه جسما آخر زاد في كميته وثقله قالوا : فلو كانت النفس جسما ثم داخلت الجسم الظاهر لوجب أن يكون الجسد حينئذ أثقل منه دون النفس ونحن ونجد الجسم إذا فارقته النفس أثقل منه إذا كانت النفس فيه.
قال أبو محمد : هذا شغب فاسد ومقدمة باطلة كاذبة ، لأنه ليس كل جسم كما ذكروه من أنه إذا زيد عليه جسم آخر كان أثقل منه وحده ، وإنما يعرض من هذا في الأجسام الثقال التي تطلب المركز والوسط فقط ، يعني التي في طبعها أن تتحرك سفلا وترسب من المائيات والأرضيات ، وأما التي تتحرك بطبعها علوّا فلا يعرض ذلك لها بل الأمر بالضد ، وإذ أضيف جسم منها إلى جسم ثقيل خففه فإنك ترى أنك لو نفخت زقّا من جلد ثور أو جلد بعير لو أمكن حتى يمتلئ هواء ثم وزنته فإنك لا تجد على وزنه زيادة على مقدار وزنه لو كان فارغا أصلا ، وكذلك ما صعب من الزقاقة ولو أنه ورقة سوسنة منفوخة ، ونحن نجد الجسم العظيم الذي إذا أضفته إلى الجسم الثقيل خففه جدا ، فإنك لو رميت الزق غير المنفوخ في الماء لرسب فإذا نفخته ورميت به خف وعام ولم يرسب ، ولذلك يستعمله العائمون لأنه يرفعهم عن الماء ويمنعهم من الرسوب ، وهكذا النفس مع الجسد وهو باب واحد كله ، لأن النفس جسم علوي فلكي أخف من الهواء وأطلب للعلو فهي تخفف الجسد إذا كانت فيه ، فبطل تمويههم والحمد لله رب العالمين.
وقالوا أيضا : لو كانت النفس جسما لكانت ذات خاصة ، إما خفيفة وإما ثقيلة ، وإما حارة وإما باردة ، وإما لينة وإما خشنة.