وهذا برهان ضروري نعارض به جميع الخصوم ، وأيضا فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت : يا رسول الله أرأيت إن رجعت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت. قال : «فأت أبا بكر» وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر.
وأيضا فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليهالسلام : «لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فأكتب كتابا وأعهد عهدا لكي لا يقول قائل أنا أحق أو يتمنى متمنّ ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
وروي أيضا : «ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر» (١).
فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده.
قال أبو محمد : ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا ، لاحتججنا في ذلك بما روي : «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر» (٢).
قال أبو محمد : ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح.
قال أبو محمد : واحتج من قال لم يستخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني (٣) ـ يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وبما روي عن عائشة رضي الله عنها ، إذ سئلت من كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستخلفا لو استخلف (٤). فمن المحال أن يعارض إجماع الصحابة الذي ذكرنا ، والأثران الصحيحان
__________________
(١) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب ١١ ، وأبو داود في السنّة باب ١١ ، وأحمد في المسند (٤ / ٥٣ ، ٢٨٢).
(٢) رواه الترمذي برقم (٣٦٦٢ و ٣٨٠٥) وابن ماجة برقم (٩٧) وأحمد في المسند (٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، ٣٩٩ ، ٤٠١ ، ٤٠٢) والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ١٢ ، ٨ / ١٥٣) والحاكم في المستدرك (٣ / ٧٥) وأبو نعيم في حلية الأولياء (٩ / ١٠٩) والطبراني في المعجم الكبير (٩ / ٦٨).
(٣) رواه البخاري في الأحكام باب ٥١ ، ومسلم في الإمارة حديث ١١ و ١٢ ، وأبو داود في الإمارة باب ٨ ، والترمذي في الفتن باب ٤٨ ، وأحمد في المسند (١ / ١٣ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ٤٧).
(٤) رواه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٩ ، وأحمد في المسند (٦ / ٦٣). وتتمة الحديث : «... قالت : أبو بكر. فقيل لها : ثم من بعد أبي بكر؟ قالت : عمر. ثم قيل لها : من بعد عمر؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح. ثم انتهت إلى هذا».