المسندان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من لفظه بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما مما لا يقوم به حجة مما له وجه ظاهر من أن هذا الأثر خفي على عمر رضي الله عنه كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم كالاستئذان وغيره ، أو أنه أراد استخلافا بعهد مكتوب ونحن نقر أن استخلاف أبي بكر لم يكن بكتاب مكتوب ، وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك نصا ، وقد يخرج كلامها على سؤال سائل ، وإنما الحجة في روايتها لا في قولها.
وأما من ادعى أنه إنما قدّم قياسا على تقديمه إلى الصلاة فباطل بيقين ، لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصلاة يستحق إمامة الخلافة ، إذ قد يستحق الإمامة في الصلاة أقرأ القوم ، وإن كان أعجميا أو عربيا ، ولا يستحق الخلافة إلا قرشي فكيف والقياس كله باطل؟
قال أبو محمد : في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، وعلى وجوب الطاعة لهم ، وهو أن الله تعالى قال مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوسلم في الأعراب :
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [سورة التوبة : ٨٣].
وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ، ولم يغز عليهالسلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلىاللهعليهوسلم. وقال تعالى أيضا : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [سورة الفتح : ١٥]
فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد تبوك أبدا ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم إثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغلق لهم باب التوبة فقال تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [سورة الفتح : ١٦].
فأخبر تعالى أنه سيدعوهم غير النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم ، وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم.