أقساما فمنها ما لا يزول ولا يتوهم زواله إلا بفساد ما هو فيه لو أمكن ذلك كالصورة الكلية ، أو كالطول والعرض والعمق. ومنها ما لا يزول ولا يتوهم زواله إلا بفساد حامله كالإسكار في الخمر ونحو ذلك فإنها إن لم تكن مسكرة لم تكن خمرا وهكذا كل صفة نجد بها ما هي عليه ، ومنها ما لا يزول إلا بفساد حامله ، إلا أنه لو توهم زائلا لم يفسد حامله كزرق الأزرق وفطس الأفطس فلو زالا لبقي الإنسان إنسانا بحسبه ، ومنها ما يبقى مددا طوالا وقصارا وربما زايل ما هو فيه كسواد الشعر وبعض الطعوم والخشونة والإملاس في بعض الأشياء ، والطيب والنتن في بعضها والسكون والعلم ، وكبعض الألوان التي تستحيل ، ومنها ما يسرع إليه الزوال كحمرة الخجل ، وكمدة الهم ، وليس من الأعراض شيء يفنى بسرعة حتى لا يمكن أن يضبط مدة بقائه إلا الحركة فقط ، على أننا بضرورة العقل والحس ندري أن حركة الجزء من الفلك التي تقطع الفلك بنصفين من مشرق إلى غرب أسرع من حركة الجزء منه الذي حوالي القطبين ، لأن كل هذين الجزءين يرجع إلى مكانه الذي بدأ منه في أربعة وعشرين ساعة ، وبين دائريهما في الكبر ما لا يكون مساحة خط دائرة أو خط مستقيم أكثر منه في العالم ، وبيقين ندري أن حركة المذعورة في طيرانها أسرع من حركة السلحفاة في مشيها ، وأن حركة الماء المناسب في الحدور أسرع من حركة الماء الجاري في ميل النهر ، وأن حركة المحصر في الجري أسرع من حركة الماشي.
فصح يقينا أن في خلال ذلك الحركات أيضا بقاء إقامة تتفاضل في مدته لأن الحركات كلها إنما هي نقلة من مكان إلى مكان فللمتحرك مقابله ولا بد لكل جرم مر عليه ، ففي تلك المقابلات يكون التفاضل في السرعة أو في البطء إلا أنه لا تحس أجزاؤه ولا تضبط دقائقه إلا بالعقل فقط الذي به تعرف زيادة الظل والشمس ، ولا يدرك ذلك بالحس ، إلا إذا اجتمعت فيه جملة ما فإنه يعرف حينئذ بحس البصر ، كما لا يدرك بالحواس نماء النامي إلا إذا اجتمعت منه جملة ما ، وكما يعرف بالعقل لا بالحس أن لكل خردلة جزءا من الأثقال ، ولا تحس إلا إذا اجتمعت منه جملة ما ، وكذلك الشبع والري وكثير من أعراض العالم فتبارك خالق كل ذلك هو الله أحسن الخالقين.
وأما قولهم : إن العرض لا يحمل العرض فكلام فاسد مخالف للشريعة وللطبيعة وللعقل وللحواس ولإجماع جميع ولد آدم ، لأننا لا نختلف في أن نقول حركة سريعة ، وحركة بطيئة ، وحمرة مشرقة ، وخضرة أشد من خضرة ، وخلق حسن وخلق سيّئ ، وقال تعالى : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [سورة يوسف : ٢٨] وقال تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)