قال أبو محمد : وعلم الملائكة عليهمالسلام وعلم النبيين عليهمالسلام بصحة ما جاءتهم به الملائكة وأوحي إليهم به ورأوه في منامهم علم ضروري كسائر ما أدركوه بحواسهم وأوائل عقولهم ، وكعلمهم بأن أربعة أكثر من اثنين ، وأن النار حارة ، والبقل أخضر ، وصوت الرعد ، وحلاوة العسل ، ولبن الحليب ، وخشونة القنفذ ، وغير ذلك.
ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الملائكة والنبيون شكاكا في أمرهم ، وهذا كفر ممن أجازه. إلا أن الملائكة لا علم لهم بشيء إلا هكذا ، ولا ظن لهم أصلا لأنهم لا يخطئون ، ولا ركبوا من طبائع متخالفة كما ركب الإنسان.
فإن قال قائل : فإذا العلم كله باضطرار ، والاضطرار فعل الله تعالى في النفوس ، فكيف يؤجر الإنسان أو يعذب على فعل الله تعالى فيه؟ قلنا : نعم. لا شيء في العالم إلا خلق الله تعالى. وقد صح البرهان بذلك على ما أوردنا في كلامنا في خلق الأفعال في ديواننا هذا والحمد لله. وما جاء قط نص ولا برهان عقل بالمنع من أن يعذبنا الله تعالى ويأجرنا على ما خلق فينا ، والله تعالى يفعل ما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال أبو محمد : وكيف ينكر أهل الغفلة أن يكون قوم يخالفون ما هم إلى المعرفة به مضطرون وهم يشاهدون السوفسطائية الذين يبطلون الحقائق جملة ، وكما يعتقد النصارى وهم أمم لا يحصى عددهم إلا خالقهم ورازقهم ومضلهم ، لا إله إلا هو ، وفيهم علماء بعلوم كثيرة وملوك لهم التدابير الصائبة والسياسات المعجبة ، والآراء المحكمة والفطنة في دقائق الأمور وبصر بغوامضها ، وهم مع ذلك يقولون إن واحدا ثلاثة وثلاثة واحد ، وأن أحد الثلاثة أب ، والثاني ابن ، والثالث روح ، وأن الأب هو الابن وليس هو الابن والإنسان هو الإله وهو غير الإله ، وأن المسيح إله تام وإنسان تام وهو هو لا غيره ، وأن الأول الذي لم يزل هو المحدث الذي لم يكن ولا هو هو.
قال أبو محمد : وليس في الجنون أكثر من هذا ، واليعقوبية منهم وهم مئات ألوف يعتقدون أن الباري ـ تعالى عن كفرهم ـ ضرب بالسياط واللطام ، وصلب ونحر ومات وسقي الحنظل ، وبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر ، وكأصحاب الحلول وغالية الرافضة الذين يعتقدون في رجل جالس معهم كالحلاج وابن أبي العزاقر أنه الله ، والإله عندهم قد يبول ويسلح ، ويجوع فيأكل ، ويعطش فيشرب ، ويمرض فيسوقون إليه الطبيب ، ويقع ضرسه إذا ضرب عليه ، ويتضرر إذا أصابه دمل ويجامع ويحتجم ويفتصد ، وأنه الله الذي لم يزل ولا يزال خالق هذا العالم كله ورازقه ومحصيه ومدبره