ومدبر الأفلاك المميت المحيي العالم بما في الصدور ، ويصيرون في حسب هذا الاعتقاد على السجون والمطابق وضرب السياط ، وقطع الأيدي والأرجل ، والقتل والصلب وهتك الحريم ، وفيهم قضاة وكتاب وتجار وهم اليوم ألوف الألوف. وكما تدعي طوائف من اليهود وطوائف من المسلمين أن ربهم تعالى جسد في صورة الإنسان ، لحم ودم يمشي ويقعد.
وكالأشعرية الذين يقولون إن هاهنا أحوالا لا مخلوقة ولا غير مخلوقة ، ولا معلومة ولا مجهولة ولا حق ولا باطل ولا معروفة ولا مجهولة ، وأن النار ليست حارة والثلج ليس باردا.
وكما يقول بعض الفقهاء وأتباعهم إن رجلا واحدا يكون ابن رجلين وابن امرأتين كل واحدة منهما أمه وهو ابنها بالولادة.
قال أبو محمد : أترى كل من ذكرنا لا تشهد نفسه وحسه ولا يقر عقله بأن كل هذا باطل؟ بلى والذي خلقهم ولكن العوارض التي ذكرنا قبل سهلت عليهم هذا الاختلاط ، وكرهت عليهم الرجوع إلى الحق والإذعان له.
قال أبو محمد : وأما العناد فقد شاهدنا كل من رأيناه في المناظرة في الدين ، وفي المعاملات في الدنيا ، أكثر من أن يحصى ممن يعلم الحق يقينا ويكابر على خلافه ، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله الهدى والعصمة.
قال أبو محمد : لا يدرك الحقّ من طريق البرهان إلا من صفا عقله ونفسه من الشواغل التي قدمنا ، ونظر في الأقوال كلها نظرا واحدا ، واستوت عنده جميع الأقوال ، ثم نظر فيها طالبا لما شهدت بها البراهين الراجعة رجوعا صحيحا غير مموه ، لكن ضروريا إلى مقدمات مأخوذة من أوائل العقل والحواس ، غير متسامح في شيء من ذلك ، فهذا مضمون له بعون الله عزوجل ، الوقوف على الحقائق والخلاص من ظلمة الجهل ، وبالله تعالى التوفيق.
وأما ما نقله اثنان فصاعدا نوقن أنهما لم يجتمعا ولا تساررا فأخبرا بخبر واحد راجع إلى ما أدرك بالحواس من أي شيء كان ، فهو حق بلا شك ، مقطوع على عينه والنفس مضطرة إلى تصديقه ، وهذا حد أقل الكافة وأولها من أي شيء كان ، فهو إذ لا يمكن البتة إيقاف اثنين في توليد حديث واحد ، لا يختلفان فيه عن غير تواطؤ. وأما إذا تواطأت الجماعة العظيمة فقد تجتمع على الكذب ، وقد شاهدنا جماعات يشكرون ولاتهم وهم كاذبون إلا أن هذا لا يمكن أن يتفقوا على ظنه أبدا ، ومن أنكر ما تنقله