يمتد خطوط البصر إليه ، أو أن يقع الناظر عليه ، إذ لا نور فيه ، ولا يختلف ذو حس في العالم في أن السواد المحض الخالص ليس فيه شيء من النور فإذ لا شك في هذا أنه لا يرى وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فإن جبلا ذا لون ما أو أرضا ذات لون ما وفيهما غاران مظلمان لما شك كل ناظر إليهما في أنه لا يرى إلا ما حول الغارين فقط وأنه لا يرى ما ضمه خط الغارين. فإذ هذه كلها براهين ضرورية مشاهدة حسية عقلية ، فالبرهان لا يعارضه برهان أصلا ، والبرهان لا يعارض بالدعوى ولا بالظنون. والحمد لله رب العالمين.
وأما من كلام الله عزوجل فإنه تعالى يقول : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [سورة النور : ٤٠]. وقوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) [سورة البقرة : ٢٠]. فصح يقينا أن الظلمة مانعة من النظر والرؤية جملة ، وهو السواد بلا شك فهو لا يرى. ولا خلاف في أن البصر العليل يداوى بالثوب وبالقعود في الظلمة وليس ذلك إلا لمنعه من امتداد بصره فيكل بامتداده. وبالله تعالى التوفيق.
فإن قيل : السواد غير الظلمة ، قلنا : إننا نجد الأرمد الشديد الرمد حتى صار في بيت مظلم شديد الظلمة والانطباق لا يدخله شيء من الضوء أمكنه فتح عينيه بحسب طاقاته ولم يألم النظر إليه ، ومتى جعلناه في بيت مضيء وعلى وجهه وعينيه ثوب كثيف جدا أسود أمكنه فتح عينيه حسب طاقته ، ولم يألم بالنظر إليه ، وكانت حاله من تغطية وجهه بذلك الثوب كحاله في الظلمة التامة سواء سواء. وكذلك يعرض للصحيح البصر في الحالتين المذكورتين ولا فرق.
ومتى جعلنا على بصر الأرمد ثوبا أبيض ألم ألما شديدا كألمه إذا نظر في الضوء ولا فرق ، فإن جعلنا على وجهه ثوبا أصفر ألم دون ذلك ، وإن كان أحمر ألم دون ذلك ، فإن كان أخضر ألم دون ذلك ، على قدر ما في اللون من ممازجة البياض له ، فصح أن السواد والظلام شيء واحد.
وقال بعض أصحابنا : السواد غير الظلمة وهو لا يرى ، لأن الزنجي والغراب والثوب ليس شيء من ذلك أسود ، وكل ذلك يرى ، ولون كل ما ذكرنا لون غير السواد إلا أنه سمي باسم السواد مجازا.
وقال بعضهم : السواد اسم مشترك يقع على الظلمة ويقع على لون الزنجي والغراب والثوب ، فكل ظلام سواد وليس كل سواد ظلاما ، فإن عنيت بالسواد لون