عيانا تتناكح ، والأنثى منها هي الكبار والذكور هي الصغار ، وشاهدنا البراغيث تتناكح أيضا ، والكبار هي الإناث والذكور هي الصغار ، نشاهد ذلك بأن الأعلى هو الصغير أبدا ، ونجد الأنثى مملوءة بيضا إذا وضعت فتلقي بيضها في الغبار وفي خلال أجزاء الثياب ثم يخرج.
قال أبو محمد : وقد رأينا ذبابا صغارا جدا وذبابا كبارا مفرط الكبر وشاهدنا بأبصارنا الدود الطويل الذنب المتولد في الكتب وذيول البقر والغنم يستحيل فيصير فراشا طيارا مختلف الألوان بديع الخلقة من أبيض وأصفر فاقع وأخضر ولازورديّ منقط ، ولا ندري كيف الحال في العقارب والعناكب والرتيلات والبقوقات والدبر ، إلا أننا نرى أن دود الحرير متوالد يتسافد الذكور منها والإناث وتبيض ثم تموت ثم يحضن بيضها ، هذا ما لا خلاف فيه ، وما رأى أحد قط دود حرير يتوالد من غير بيضة ، وكذلك النمل فإنه يتوالد ، وقد رأينا بيضه ، والعرب تسميه المازن ، وكذلك النحل يتوالد ويوجد في مواضع من بنائه في تضاعيف القبر الذي فيه العسل ، وكذلك الجراد والعرب تسمي بيضه الصّرد.
قال أبو محمد : وما رأى أحد قط نحلا يتولد ولا نملا يتولد ولا جرادا يتولد إلا في أكذوبات لا تصح.
وأما سائر الحيوان فمتولد ولا بدّ من مني أو بيض فكل ذي أذن بارزة يلد طائرا كان كالحيات أو غير طائر كالخفاش وغيره ، وكل ما ليس له أذن بارزة فهو يبيض طائرا كان أو غير طائر كالحيات والجراذين والوزغ وغير ذلك.
قال أبو محمد : فطلبنا أن نحد حدّا يجمع ما يتولد دون ما يتوالد ، أو ما يتوالد دون ما يتولد فلم نجد ، إلا أننا رأينا كلّ ذي عظم وفقارات لا سبيل البتة إلى أن يوجد من غير تناكح كحيوان البحر الذي له العظم والفقارات ، ورأينا ما لا عظم له ولا فقار فمنه ما يتولد ولا يتوالد ، ومنه ما يتولد ويتوالد معا.
وكل ذلك خلق الله عزوجل ، يخلق ما شاء كما شاء لا إله إلا هو. وليست القدرة في الخلق في خلق ما خلقه الله عزوجل حيوانا ذا أربع أو ذا ريش من بيضة أو من مني بأعظم من القدرة في خلقها من تراب دون توسط بيضة أو مني ، ولا البرهان على الصنعة والابتداء في أحدها بأوضح منه في الآخر ، بل كل ذلك برهان على ابتداء الخلقة وعلى عظيم القدرة من الباري لا إله إلا هو.
قال أبو محمد : وقد ادّعى قوم أنه يتولد في الثلج حيوان ، ويتولد في النار