وصلاة الصبح على سائر الصلوات ، وكفضل السجود على القعود ، وكفضل بعض الذكر على بعض. فهذا هو فضل الاختصاص المجرد بلا عمل.
فأما فضل المجازاة بالعمل فلا يكون البتة إلا للحي الناطق من الملائكة ، والإنس والجن فقط ، وهذا هو القسم الذي تنازع الناس فيه في هذا الباب الذي نتكلم فيه الآن من أحق به فوجب أن ننظر أيضا في أقسام هذا القسم التي بها يستحق الفضل فيه والتقدم فنحصرها ونذكرها بحول الله تعالى وقوته ، ثم ننظر حينئذ من هو أحق به وأسعد بالبسوق فيه ، فيكون بلا شك أفضل ممن هو أقل حظا فيها بلا شكّ. وبالله تعالى التوفيق.
فنقول وبالله تعالى نستعين :
إن العامل يفضل العامل في عملهما بسبعة أوجه لا ثامن لها :
وهي المائية (١) : وهي عين العمل وذاته ، والكمية : وهي العرض في العمل ، والكيفية ، والكم ، والزمان ، والمكان ، والإضافة ، فأما المائية فهي أن تكون الفروض من أعمال أحدهما موفاة كلها ويكون الآخر يضيع بعض فروضه وله نوافل ، أو يكون كلاهما يوفّي جميع فرضه ويعملان نوافل زائدة إلا أن نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر ، كأن يكون أحدهما يكثر الذكر في الصلاة ، والآخر يكثر الذكر في حال جلوسه ، وما أشبه هذا ، وكإنسانين قاتل أحدهما في المعركة والموضع المخوف ، وقاتل الآخر في الرد ، أو جاهد أحدهما واشتغل الآخر بصيام وصلاة تطوع ، أو يجتهدان فيصادف أحدهما الحق ويحرمه الآخر فيفضل أحدهما الآخر في هذه الوجوه بنفس عمله ، أو بأن ذات عمله أفضل من ذات عمل الآخر ، فهذا هو التفاضل في المائية في العمل.
وأما الكمية ، وهي العرض : فأن يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله تعالى لا يمزج به شيئا البتة ، ويكون الآخر يساويه في جميع عمله ، إلا أنه ربما مزج بعمله شيئا من حب البر في الدنيا ، وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه ، وربما مزجه بشيء من الرياء ففضله الأول بعرضه في عمله.
وأما الكيفية فأن يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقوقه ورتبه لا منتقصا ولا متزايدا ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه ، وإن لم يعطل منه فرضا. أو يكون أحدهما يصفي عمله من الكبائر ، وربما أتى الآخر ببعض الكبائر ففضله الآخر بكيفية عمله.
__________________
(١) المائية : هي الماهية. وهي السؤال عن الشيء : ما هو؟ أي ما عينه وذاته؟