وهو حديث واحد ، وزيادة العدل مقبولة ، فصح بزيادة من في الحديث من طريق العدول أن الأنصار وزيدا وأسامة رضي الله عنهم من جملة قوم هم أحب الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا حق لا يشك فيه ، لأنهم من أصحابه ، وأصحابه أحب الناس إليه بلا شك ، وليس هكذا جوابه في عائشة رضي الله عنها إذ سئل من أحب الناس إليك؟ فقال : عائشة. فقيل من الرجال؟ قال : أبوها ، لأن هذا قطع على بيان ما سأل عنه السائل من معرفة من المنفرد البائن عن الناس بمحبته عليهالسلام.
واعترض أيضا علينا بعض الأشعرية بأن قال : إن الله تعالى يقول : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص : ٥٦] فصح أن محبته عليهالسلام لمن أحب ليس فضلا ، لأنه قد أحب عمه وهو كافر!
قال أبو محمد : فقلنا إن هذه الآية ليست على ما ظن وإنما مراد الله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي أحببت هداه.
برهان ذلك قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
أي من يشاء هداه وفرض على النبي صلىاللهعليهوسلم وعلينا أن نحب الهدى لكل كافر ، لا أن نحب الكافر. وأيضا : فلو صح أن معنى الآية من أحببته كما ظن هذا المعترض لما كان علينا بذلك حجة لأن هذه آية مكية نزلت في أبي طالب ثم أنزل الله تعالى في المدينة : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [سورة المجادلة : ٢٢] وأنزل الله تعالى في المدينة : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [سورة الممتحنة : ٤].
وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحب أبا طالب فقد حرم الله تعالى عليه بعد ذلك ونهاه عن محبته ، وافترض عليه عداوته ، وبالضروري يدري كل ذي حسن سليم أن العداوة والمحبة لا يجتمعان أصلا.
والمودة : هي المحبة في اللغة التي بها نزل القرآن ، بلا خلاف من أحد من أهل اللغة. فقد بطل أن يحب النبي صلىاللهعليهوسلم أحدا غير مؤمن. وقد صحت النصوص والإجماع على أن محبة الرسول صلىاللهعليهوسلم لمن أحب فضيلة ، وذلك كقوله عليهالسلام : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» (١) فإذ لا شك ولا خلاف في
__________________
(١) رواه البخاري في الجهاد باب ١٠٢ و ١٢١ و ١٤٣ ، وفضائل الصحابة باب ٩. والترمذي في