أن محبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخلاف ما قال أهل الجهل والكذب ، فقد صح يقينا أن كل من كان أتم حظا في الفضيلة فهو أفضل ممن هو أقل في تلك الفضيلة هذا شيء يعلم ضرورة.
فإذا كانت عائشة أتم حظا في المحبة التي هي أتم فضيلة فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها ، وكذلك لما قيل له عليهالسلام من الرجال قال أبوها ، ثم عمر ، فكان ذلك موجبا لفضل أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم ، فالحكم بالباطل لا يجوز في أن يكون يقدم أبو بكر ، ثم عمر في الفضل من أجل تقدمهما في المحبة عليهما ، وما نعلم نصا في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر وحده.
قال أبو محمد : وقد نص النبي صلىاللهعليهوسلم على ما ينكح له النساء فذكر الحسب والمال والجمال والدين ونهى صلىاللهعليهوسلم عن كل ذلك بقوله : «فعليك بذات الدّين تربت يداك» (١). واختيارهن للدين فقط ثم يكون هو عليهالسلام يخالف ذلك فيحب عائشة لغير الدين وكذلك قوله عليهالسلام : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (٢).
لا يحل لمسلم أن يظن في ذلك شيئا غير الفضل عند الله تعالى في الدين ، فوصف الرجل امرأته للرجال لا يرضى به إلا خسيس نذل ساقط ولا يحل لمن له أدنى مسكة من عقل أن يمر هذا بباله عن فاضل من الناس فكيف عن المقدس ، المطهر ، البائن فضله على جميع الناس صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : ولو لا أنه بلغنا عن بعض من تصدر لنشر العلم من أهل زماننا وهو المهلب بن أبي صفرة التميمي ، صاحب عبد الله بن إبراهيم الأصيل ، أنه أشار إلى هذا المعنى القبيح وصرح به ما انطلق لنا بالإيماء إليه لسان ، ولكن المنكر إذا ظهر وجب على المسلمين تغييره فرضا على حسب طاقتهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد : وكذلك عرض الملك لها رضي الله عنها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
المناقب باب ٢٠.
(١) رواها البخاري في النكاح باب ١٥. ومسلم في الرضاع حديث ٥٣ و ٥٤. وأبو داود في النكاح باب ٢. والترمذي في النكاح باب ٤. والنسائي في النكاح باب ١٠. وابن ماجة في النكاح باب ٦. والدارمي في النكاح باب ٤. وأحمد في المسند (٢ / ٤٢٨).
(٢) تقدم تخريجه ص ٤٣ حاشية ٢.