والفضل فلا شك هم كذلك في الجزاء في الجنة وإلا فكان يكون الفضل لا معنى له.
وقال عزوجل : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل : ٩٠].
وأيضا فلسنا نشك أن المهاجرات الأوليات من نساء الصحابة رضي الله عنهم يشاركن الصحابة في الفضل ، ففضالة ومفضولة وفاضل ومفضول ، ففيهن من يفضل كثيرا من الرجال ، وفي الرجال من يفضل كثيرا منهن ، وما ذكر الله تعالى منزلة من الفضل إلا وقرن النساء مع الرجال فيها كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [سورة الأحزاب : ٣٥] الآية حاشا الجهاد فإنه فرض على الرجال دون النساء ، ولسنا ننكر أن يكون لأبي بكر رضي الله عنه قصور ومنازل مقدمة على جميع الصحابة ، ثم يكون لمن تستأهل من نسائه تلك المنزلة منازل في الجنة دون منازل من هو أفضل منهن من الصحابة ، فقد نكح الصحابة رضي الله عنهم التابعيات بعد الصحابيات وعليهن ، فتكون تلك المنازل زائدة في فضل أزواجهن من الصحابة فينزلون إليهن ثم ينصرفون إلى منازلهم العالية.
بل قد صح هذا عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه قال كلاما معناه وأكثر نصه أنه عليهالسلام : «زعيم ببيت في ربض الجنّة وفي وسط الجنّة وفي أعلى الجنّة لمن فعل كذا» أمرا وصفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فصح نص ما قلنا من أن لمن دونه عليهالسلام منازل عالية وأخر سفلة عن تلك المنازل ينزلون إليها ثم يصعدون إلى الأعالي وهذا مبعد عن النبي صلىاللهعليهوسلم لوجهين أحدهما : أن جميع نسائه عليهالسلام لهن حق الصحبة التي شركهن فيها جميع الصحابة وتفضيلهم فيها بقرب الخاصة فليس في نسائه عليهالسلام ولا واحدة يفضلها بالصحبة التي هي فضيلتهم التي بها بانوا عمن سواهم فقط وقد كفينا هذا الباب.
والوجه الثاني : أنّ تأخر بعض الصحابة عن بعضهم في بعض الأماكن موجود وإن كان ذلك المتأخر في بعض الأماكن متقدما في مكان آخر فقد علمنا أن بلالا عذب في الله عزوجل ما لم يعذب علي ، وأن عليّا قاتل ما لم يقاتل بلال ، وأن عثمان أنفق ما لم ينفق بلال ولا علي فيكون المفضول منهم في الجملة متقدما للذي فضله في بعض فضائله ، ولا سبيل إلى أن يوجد هذا فيما بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا يجوز أن يتقدمه أحد من ولد آدم في شيء من الفضائل أولها عن آخرها ، ولا إلى أن يلحقه لا حقّ في شيء من الفضائل من بني آدم فلا سبيل إلى أن ينزل النبي صلىاللهعليهوسلم إلى درجة يوازيه فيها صاحب من الصحابة فكيف أن يعلو عليه الصاحب ...؟ هذا أمر تقشعر منه