جلود المؤمنين ، وقد استعظم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يسكن في غرفة على بيت يسكنه النبي صلىاللهعليهوسلم فكيف يظن بأن هذا يكون في دار الجزاء؟ فإذا كان العالي من الصحابة في أكثر منازله ينسفل أيضا في بعضها عن صاحب آخر قد علاه في منازل أخر على قدر تفاضلهم في أعمالهم كما ذكرنا آنفا فقد أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنّ الصّائمين يدعون من باب الريّان ، وأنّ المجاهدين يدعون من باب الجهاد ، وأنّ المتصدّقين يدعون من باب الصّدقة وأنّ أبا بكر يرجو له رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدعى من جميع تلك الأبواب» (١) وقد يجوز أن يفضل أبا بكر رضي الله عنه غيره من الصحابة في بعض تلك الوجوه ممن انفرد باب منها ولا يجوز أن يفضل أحد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شيء من أبواب البر ، فبطل هذا الاعتراض جملة والحمد لله رب العالمين.
واعترض أيضا علينا مكي بن أبي طالب بأن قال : إذا كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل من موسى عليهالسلام ، ومن كل واحد من الأنبياء عليهمالسلام ، وكان عليهالسلام أعلى درجة في الجنة من جميع الأنبياء عليهمالسلام ، وكان نساؤه عليهالسلام في درجته في الجنة فدرجتهن فيها أعلى من درجة موسى عليهالسلام ، ومن درج سائر الأنبياء عليهمالسلام ، فهن على هذا الحكم أفضل من موسى وسائر الأنبياء عليهمالسلام.
قال أبو محمد : فأجبناه بأن هذا الاعتراض أيضا لا يلزمنا ولله الحمد لأن الجنة دار ملك وطاعة وعلو منزلة ورئاسة واتباع من التابع للمتبوع ، كما قال عزوجل : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [سورة الإنسان : ٢٠].
وقال تعالى عن موسى : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) [سورة الأحزاب : ٦٩].
وأخبر عزوجل عن جبريل صلىاللهعليهوسلم فقال : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [سورة التكوير : ٢٠ ، ٢١].
فقد علمنا أن ملك الدنيا غرور ، وأن ملك الآخرة هو الحقيقة ، وقد أخبر عليهالسلام أنه رأى الأنبياء عليهمالسلام مع أتباعهم ، فالنبي معه الواحد والاثنان والثلاثة والنفر والجماعة ، فأخبر عزوجل أن هنالك الملك الكبير ، والطاعة والوجاهة ، والأتباع والاستئمار ، وإنما عرض الله تعالى علينا في الدنيا من الملك طرفا لنعلم به مقدار الملك الذي في دار الجزاء ، كما عرض علينا من اللذات ، والحرير ، والديباج ، والخمر والذهب والفضة والمسك ، والجواري ، والحلي ، وأعلمنا أن هذه كلها خالصة لنا
__________________
(١) رواه البخاري في الصوم باب ٤. والترمذي في الصوم باب ٥٥ ، والمناقب باب ٦٠. والنسائي في الزكاة باب ١ ، والصيام باب ٤٣. ومالك في الجهاد حديث ٤٩.