واحتجوا أيضا بأمر علي ، والحسن ، مع معاوية رضي الله عنهم.
قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قول الأنصار رضي الله عنهم ما ذكرنا لم يكن صوابا بل كان خطأ إذ أداهم إليه الاجتهاد ، وخالفهم فيه المهاجرون ، ولا بد إذا اختلف القائلان على قولين متنافيين من أن يكون أحدهما حقا ، والآخر خطأ ، وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله عزوجل الرد إليه عند التنازع ، إذ يقول تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].
فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما» (١).
وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) [سورة آل عمران : ١٠٥].
وقال تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [سورة الأنفال : ٤٦].
فحرم الله عزوجل التفرق ، والتنازع ، وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم ، فوجد التنازع ، ووقعت المعصية لله تعالى وقلنا ما لا يحل لنا.
وأما من طريق النظر والمصلحة ، فلو جاز أن يكون في العالم إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة ، وأربعة وأكثر. فإن منع من ذلك مانع كان متحكما بلا برهان ، ومدعيا بلا دليل ، وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد.
وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل عمل إمام أو في كل مدينة إمام ، أو في كل قرية إمام ، ويكون كل أحد إماما وخليفة في منزله ، وهذا هو الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا ، فصح أن قول الأنصار رضي الله عنهم وهلة وخطأ قد رجعوا عنه إلى الحق ، وعصمهم الله تعالى من التمادي عليه. وأما أمر عليّ والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمته يقتلها أولى الطّائفتين بالحقّ (٢) فكان
__________________
منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر : لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء ، هم أوسط العرب دارا وأعربهم نسبا ، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر : قتله الله.
(١) رواه مسلم في الإمارة حديث ٦١ من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، ولفظه : «إذا بويع لخليفتين ...».
(٢) رواه مسلم في الزكاة حديث ١٤٩ و ١٥٢ و ١٥٣. وأبو داود في السنة باب ١٢. وأحمد في