كما قلتم في الملائكة؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أنّ الفضل لا يعرف إلا ببرهان مسموع من الله تعالى في القرآن ، أو من كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولم نجد الله تعالى نص على فضل الحور العين كما نص على فضل الملائكة ، وإنما نص على أنهن مطهرات حسان عرب أتراب ، يجامعن ويشاركن أزواجهن في اللذات كلها ، وأنهّن خلقن ليلتذ بهن المؤمنون ، فإذ الأمر هكذا فإنما محل الحور العين محل من هن له فقط إذ ذلك اختصاص لهن بلا عمل وتكليف فهن خلاف الملائكة في ذلك وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : ومما يؤكد قولنا قول الله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [سورة يس : ٥٥ ، ٥٦].
وهذا نص إذ قد صح فقد وجب الإقرار به ، فلو عجزنا عن تفضيل بعض أقسام هذه الاعتراضات لما لزمنا في ذلك نقصا إذ لا يجوز الاعتراض على هذا النص ، وكلّ ما صح بيقين فلا يجوز أن يعارض بيقين آخر ، والبرهان لا يبطله برهان ، وقد أوضحنا أن الجنة دار جزاء على أعمال المكلفين فأعلاهم درجة أعلاهم فضلا ، ونساء النبي صلىاللهعليهوسلم أعلى درجة في الجنة من جميع الصحابة فهن أفضل منهن ، فمن أبي هذا فليخبرنا ما معنى الفضل عنده؟ إذ لا بد أن يكون لهذه الكلمة معنى ، فإن قال : لا معنى لها فقد كفانا مئونته ، وإن قال : إن لها معنى سألناه ما هو؟ فإنه لا يجد غير ما قلناه ، وبالله تعالى التوفيق.
فكيف وقد أبنّا بتأييد الله عزوجل لنا على كل ما اعترض علينا به في هذا الباب ولاح الوجه في ذلك بيّنا والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : واستدركنا بيانا زائدا في قول النبي صلىاللهعليهوسلم في أن فاطمة سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن الواجب مراعاة ألفاظ الحديث وإنما ذكر عليهالسلام في هذا الحديث السادة ولم يذكر الفضل وذكر عليهالسلام في حديثه عن عائشة الفضل نصا بقول عليهالسلام : «وفضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام».
قال أبو محمد : والسيادة غير الفضل ، ولا شك أن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين بولادة النبي لها فالسيادة من باب الشرف ، لا من باب الفضل ، فلا تعارض بين الحديثين البتة ، والحمد لله رب العالمين.
وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما وهو حجة في اللغة العربية : كان أبو بكر خيرا وأفضل من معاوية ، وكان معاوية أسود من أبي بكر ، ففرق ابن عمر كما ترى بين السيادة والفضل والخير.