وقد علمنا أن الفضل هو الخير نفسه لأن الشيء إذا كان خيرا من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شك.
قال أبو محمد : وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا : قال الله عزوجل : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [سورة آل عمران : ٣٦].
فقلنا وبالله تعالى التوفيق : فأنت إذا عند نفسك أفضل من مريم ، وعائشة ، وفاطمة ، لأنك ذكر وهؤلاء إناث.
فإن قال هذا التحق بالنّوكى وكفر. فإن سأل عن معنى الآية قيل له : الآية على ظاهرها ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى ، لأنه لو كان كالأنثى لكان أنثى ، والأنثى أيضا ليست كالذكر ، لأن هذه أنثى وهذا ذكر ، وليس هذا من الفضل في شيء البتة ، وكذلك الحمرة غير الخضرة ، والخضرة ليست كالحمرة ، وليس هذا من باب الفضل. فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [سورة البقرة : ٢٢٨] قيل له : إنما هذا في حقوق الأزواج على الزوجات ، ومن أراد حمل هذه الآية على ظاهرها لزمه أن يكون كل يهودي وكل مجوسي وكل فاسق من الرجال أفضل من أم موسى ، وأم عيسى ، وأم إسحاق ، عليهمالسلام ، ومن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم وبناته ، وهذا كفر ممن قاله بإجماع الأمة ، وكذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [سورة الزخرف : ١٨] إنما ذلك في تقصيرهن في الأغلب عن المحاجة لقلة دربتهن وليس في هذا ما يحط الفضل عن ذوات الفضل منهن. فإن اعترض معترض فقال الذي أمرنا بطاعتهم من خلفاء الصحابة رضي الله عنهم ، أفضل من نساء النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء : ٥٩] فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أن هذا خطأ من جهات :
إحداها : أن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم من جملة أولي الأمر منا الذين أمرنا بطاعتهم فيما بلّغن إلينا عن النبي صلىاللهعليهوسلم كالأئمة من الصحابة سواء سواء ولا فرق.
والوجه الثاني : أن الخلافة ليست من قبل فضل الواحد في دينه فقط ، وجبت لمن وجبت له ، وكذلك الإمارة ، لأن الإمارة قد تجوز لمن غيره أفضل منه ، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مأمورا بطاعة عمرو بن العاص إذ أمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة ذات السلاسل ، فبطل أن تكون الطاعة إنما تجب للأفضل فالأفضل ، وقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ولم يؤمّر أبا ذر ، وأبو ذر أفضل وخير منهما بلا شك. وأيضا فإنما وجبت طاعة الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم في