أوامرهم مذ ولوا لا قبل ذلك ، ولا خلاف في أن الولاية لم تزدهم فضلا على ما كانوا عليه ، وإنما زادهم فضلا عدلهم في الولاية لا الولاية نفسها ، وعدلهم داخل في جملة أعمالهم التي يستحقون الفضل بها ، ألا ترى أن معاوية والحسن إذ وليا كانت طاعتهما واجبة على سعد بن أبي وقاص ، وسعد أفضل منهما ببون بعيد جدا ، وهو حي معهما مأمور بطاعتهما ، وكذلك القول في جابر وأنس بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم ، في وجوب طاعة ابن الزبير ثم في وجوب طاعة عبد الملك بن مروان ، والذي بين جابر وأنس وابن عمر وبين عبد الملك في الفضل كالذي بين النور والظلمة ، فليس في وجوب طاعة الولاة ما يوجب لهم فضلا في الجنة.
فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور : ٢١].
فبيان اعتراضه ظاهر في آخر الآية وهو أن إلحاق الذرية بالآباء لا يقتضي كونهم معهم في درجة ، ولا هذا مفهوم من نص الآية ، بل إنما فيها إلحاقهم بهم فيما ساووهم فيه بنص الآية ، ثم بين تعالى ذلك ولم يدعنا في شك بقوله : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).
فصح أن كل واحد من الآباء والأبناء يجازى حسب ما كسب فقط ، وليس حكم الأزواج كذلك ، بل أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم معه في قصوره وعلى سرره ملتذ بهن ومعهن جزاء لهن بما عملن من الخير ، وبصبرهن ، واختيارهن الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم والدار الآخرة ، وهذه منزلة لا يحلها أحد بعد النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فهن أفضل من كل واحد دون الأنبياء عليهمالسلام. فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ» (١).
قلنا وبالله تعالى التوفيق : إن حملت هذا الحديث على ظاهره فيلزمك أن تقول إنك أتم عقلا ودينا من مريم ، وأم موسى ، وأم إسحاق ومن عائشة ، وفاطمة ، فإن تمادى على ذلك سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر.
__________________
(١) رواه البخاري في الحيض باب ١٦ ، والزكاة باب ٤٤. ومسلم في الإيمان حديث ١٣٢. وأبو داود في السنّة باب ١٥. والترمذي في الإيمان باب ٦. وابن ماجة في الفتن باب ١٩. وأحمد في المسند (٢ / ٦٧ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤).