وإن قال : لا. سقط اعتراضه واعترف بأن من الرجال من هو أنقص دينا وعقلا من كثير من النساء.
فإن سأل عن معنى هذا الحديث. قيل له : قد بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجه ذلك النقص ، وهو كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل ، وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم ، وليس هذا بموجب نقصان الفضل ، ولا نقصان الدين ، والعقل في غير هذين الوجهين فقط ، إذ بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم دينا وعقلا غير الوجوه التي ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم وهو عليهالسلام لا يقول إلا حقا ، فصح يقينا أنه إنما عنى عليهالسلام ما قد بينه في الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط ، وليس ذلك مما ينقص الفضل ، فقد علمنا أن أبا بكر وعمر وعليا لو شهدوا في زنا لم يحكم بشهادتهم ، ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم ، وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين ، وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولا صدر ، لكن يوقف فيها عند ما حده النص فقط ، ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهمالسلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل دينا ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة ، فبطل الاعتراض بالحديث المذكور وصح أنه على ما فسرناه يقينا والحمد لله رب العالمين. وأيضا فقول الله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [سورة الأحزاب : ٣٢] مخرج لهن عن سائر النساء في كل ما اعترض به معترض مما ذكرناه وشبهه.
قال أبو محمد : فإن اعترض معترض بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلا مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون» (١).
فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة ، والنبوة ، التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة ، وقد يتفاضلون أيضا فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ، ويكون بعض الرسل أكمل من بعض.
__________________
(١) رواه ما حديث أبي موسى الأشعري البخاري في أحاديث الأنبياء باب ٣٢ ٤٦ ، وفضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم باب ٣٠ ، والأطعمة باب ٢٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠. والترمذي في الأطعمة باب ٣١. وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤. وأحمد في المسند (٤ / ٣٩٤ ، ٤٠٩).