قال الله عزوجل : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن اعترض معترض بقوله عليهالسلام : «لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة» (١).
فلا حجة له في هذا لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل ، فقد علمنا أن ابن مسعود ، وبلالا ، وزيد بن الحارث رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن ، وابن الزبير ، ومعاوية ، أفضل منهم والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك وبينهم في الفضل ما لا يجهله مسلم.
قال أبو محمد : وأما أفضل نسائه عليهالسلام فعائشة ، وخديجة ، رضي الله عنهما لعظيم فضلهما وإخباره عليهالسلام أن عائشة أحب الناس إليه ، وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
وقد ذكر عليهالسلام خديجة بنت خويلد ، فقال : أفضل نسائها مريم بنت عمران ، وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد مع سابقة خديجة في الإسلام ، وثباتها رضي الله عنها. ولأم سلمة وسودة وزينب بنت جحش ، وزينب بنت خزيمة ، وحفصة سوابق في الإسلام عظيمة ، واحتمال للمشقات في الله عزوجل ورسوله صلىاللهعليهوسلم والهجرة ، والغربة عن الوطن ، والدعاء إلى الإسلام والبلاء في الله عزوجل ورسوله صلىاللهعليهوسلم ولكلهن بعد ذلك الفضل المبين رضوان الله عليهن أجمعين.
قال أبو محمد : وهذه مسألة نقطع فيها على أننا المحقون عند الله عزوجل ، وأن من خالفنا فيها مخطئ ، عند الله عزوجل بلا شك وليست مما يسع الشك فيه أصلا.
قال أبو محمد : فإن قال قائل : هل قال هذا أحد قبلكم ..؟ قلنا له ، وبالله تعالى التوفيق : وهل قال غير هذا أحد قبل من يخالفنا الآن؟ وقد علمنا ضرورة أن لنساء النبي صلىاللهعليهوسلم منزلة من الفضل بلا شك فلا بد من البحث عنها فليقل مخالفنا في أي منزلة نضعهن أبعد جميع الصحابة كلهم؟ فهذا ما لا يقوله أحد. أم بعد طائفة منهم؟
__________________
(١) رواه بلفظ : «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» البخاري في المغازي باب ٨٢ ، والفتن باب ١٨. والترمذي في الفتن باب ٧٥. والنسائي في القضاء باب ٨.