وأبوه عابد وثن قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم بسنين ، وعبد الله بن عمر أيضا أسلم أبوه وله أربع سنين لم يعبد قط وحدثنا ، فهو شريك لعلي في هذه الفضيلة.
وقال بعضهم : علي كان أسوسهم.
قال أبو محمد : وهذا باطل لا خفاء به على مؤمن ولا كافر ، فقد درى البعيد والقريب والعالم والجاهل والمؤمن والكافر من ساس الإسلام إذ كفر من كفر من أهل الأرض بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم وأذعن الجميع للتقية وقبول ما دعت إليه العرب حاشا أبا بكر ، فهل ثبت أحد ثبات أبي بكر على كلب العدو وشدة الخوف حتى دخلوا في الإسلام أفواجا كما خرجوا منه أفواجا وأعطوا الزكاة طائعين وكارهين؟ ولم تهله جموعهم ولا تضافرهم ولا قلة أهل الإسلام حتى أنار الله الإسلام وأظهره؟ ثم هل ناطح كسرى وقيصر على أسرّة ملكهما حتى أخضع حدود فارس والروم ، وصرع جلودهم (١) ، ونكس راياتهم وأظهر الإسلام في أقطار الأرض وذلّ الكفر وأهله وشبع جائع المسلمين وعز ذليلهم ، واستغنى فقيرهم ، وصاروا إخوة لا اختلاف بينهم وقرءوا القرآن ، وتفقهوا في الدين إلا أبو بكر ..؟ ثم ثنى عمر ثم ثلث عثمان ثم قد رأى الناس خلاف ذلك كله وافتراق كلمة المؤمنين ، وضرب المسلمين بعضهم وجوده بعض بالسيوف ، وشك بعضهم قلوب بعض بالرماح ، وقتل بعضهم من بعض عشرات الألوف ، وشغلهم بذلك عن أن يفتح من بلاد الكفر قرية أو يذعر لهم سرب ، أو يجاهد منهم أحد حتى ارتجع أهل الكفر كثيرا مما صار بأيدي المسلمين من بلادهم ، فلم يجتمع المسلمون إلى اليوم فأين سياسة من سياسة؟
قال أبو محمد : فإذ قد بطل كلّ ما ادعاه هؤلاء الجهال ولم يحصلوا إلا على دعاوى ظاهرة الكذب لا دليل على صحة شيء منها ، وصح بالبرهان كما أوردنا أن أبا بكر هو الذي فاز بالقدح المعلى ، والسبق المبرز ، والحظ الأسنى ، في العلم والقرآن والجهاد والزهد والتقوى والخشية ، والصدقة ، والعتق والمشاركة والطاعة والسياسة ، فهذه وجوه الفضل كلها فهو بلا شك أفضل من جميع الصحابة كلهم بعد نساء النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : ولم نحتج عليهم بالأحاديث لأنهم لا يصدقون أحاديثنا ولا نصدق أحاديثهم وإنما اقتصرنا على البراهين الضرورية بنقل الكواف ، فإن كانت الإمامة تستحق بالتقدم في الفضل فأبو بكر أحق الناس بها بعد موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقينا ،
__________________
(١) أي أقوياءهم ، جمع : جلد.