فكيف والنص على خلافته صحيح ..؟ وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه فطاعته فرض في استخلافه عمر رضي الله عنه فوجبت إمامة عمر فرضا بما ذكرنا ، وبإجماع أهل الإسلام عليهما دون خلاف من أحد قطعا ، ثم أجمعت الأمة كلها أيضا بلا خلاف من أحد منهم على صحة إمامة عثمان والدينونة بها ، وأما خلافة علي فحق لا بنص ولا بإجماع لكن ببرهان سنذكره إن شاء الله في الكلام في حروبه.
قال أبو محمد : ومن فضائل أبي بكر المشهورة قوله عزوجل : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [سورة التوبة : ٤٠]. فهذه فضيلة منقولة بنقل الكافة لا خلاف بين أحد في أنه أبو بكر ، فأوجب الله تعالى له فضيلة المشاركة في إخراجه مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أنه خصه باسم الصحبة له ، وبأنه ثانيه في الغار ، وأعظم من ذلك كله أن الله معهما ، وهذا ما لا يلحقه فيه أحد.
قال أبو محمد : فاعترض في هذا بعض أهل القحة فقال : قد قال الله عزوجل : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [سورة الكهف : ٣٤].
قال : وقد حزن أبو بكر فنهاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فلو كان حزنه رضا لله عزوجل لما نهاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : وهذه مجاهرة بالباطل. أما قوله تعالى في الآية لصاحبه وهو يحاوره قد أخبر الله تعالى بأن أحدهما مؤمن والآخر كافر ، وبأنهما مختلفان ، فإنما سماه صاحبه في المحاورة والمجالسة فقط ، كما قال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [سورة الأعراف : ٨٥].
فلم يجعله أخاهم في الدين لكن في الدار والنسب ، فليس هكذا قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) بل جعله صاحبه في الدين والهجرة ، وفي الإخراج وفي الغار ، وفي نصرة الله تعالى لهما وإخافة الكفار لهما ، وفي كونه تعالى معهما ، فهذه الصحبة غاية الفضل وتلك الأخرى غاية النقص بنص القرآن ، وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان غاية الرضا لله ، لأنه كان إشفاقا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولذلك كان الله معه وهو تعالى لا يكون مع العصاة بل عليهم ، وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الحزن ولو كان لهؤلاء الأرذال حياء أو علم لم يأتوا بمثل هذا إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك على محمد وموسى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عيبا ، لأن الله عزوجل قال لموسى عليهالسلام :