بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [سورة إبراهيم : ٤] فاستوت الأمم كلها في هذه الدعوة بأن يبعث فيهم رسولا منهم ممن هم قومه. فإن احتج محتج بالحديث الثابت الذي فيه : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» (١) فمعناه ظاهر وهو أنه تعالى اختار كونه عليه الصلاة والسلام من بني هاشم وكون بني هاشم من قريش ، وكون قريش من كنانة وكون كنانة من بني إسماعيل ، كما اصطفى أن يكون موسى من بني لاوي ، وأن يكون بنو لاوي من بني إسحاق عليهالسلام ، وكل نبي من عشيرته التي هو منها ، ولا يجوز غير هذا البتة ، ونسأل من أراد هذا الحديث على غير هذا المعنى أيدخل أحد من بني هاشم أو من قريش أو من كنانة أو من بني إسماعيل النار أم لا؟ فإن أنكروا هذا كفروا ، وخالفوا الإجماع والقرآن والسنن ، وقد قال عليهالسلام : «أبي وأبوك في النار» (٢) و «إنّ أبا طالب في النار».
وجاء القرآن بأن أبا لهب في النار ، وسائر كفار قريش في النار ، كذلك قال الله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) [سورة المسد : ١ ـ ٣].
فإذا أقر بأنه قد يدخل النار منهم من يستحق أن يدخلها صحت المساواة بينهم وبين سائر الناس.
قال أبو محمد : ويكذب هذا الظن الفاسد قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا» (٣).
وأبين من هذا كله قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [سورة الحجرات : ١٣].
وقوله تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [سورة الممتحنة : ٣].
__________________
(١) رواه مسلم في الفضائل (حديث ١) والترمذي في المناقب باب ١ ، وأحمد في المسند (٤ / ١٠٧) ..
(٢) رواه أبو داود في السنّة باب ١٧ ، وأحمد في المسند (٤ / ١٤).
(٣) رواه البخاري في الوصايا باب ١١ ، وتفسير سورة ٢٦ باب ٢. والنسائي في الوصايا باب ٦. والدارمي في الرقاق باب ٢٣. وأحمد في المسند (١ / ٢٠٦).