قال أبو محمد : احتج من ذهب إلى تصويب محاربي علي يوم الجمل ويوم صفين بأن قال : إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فالطلب بأخذ القود من قاتليه فرض ، قال عزوجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) [سورة الإسراء : ٣٣].
وقال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].
قالوا : ومن آوى الظالمين فهو إما مشارك لهم ، وإما ضعيف عن أخذ الحق منهم ، وقالوا : وكلا الأمرين حجة في إسقاط إمامة من فعل ذلك ووجوب حربه.
قالوا : وما أنكروا على عثمان إلا أقل من هذا ، من جواز إنفاذ أشياء بغير علمه ، فقد ينفذ مثلها سرا ولا يعلمها أحد إلا بعد ظهورها.
قالوا : وحتى لو أن كل ما أنكر على عثمان يصح ما حل بذلك قتله بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام ، لأنهم إنما أنكروا عليه استئثارا بشيء يسير من فضلات الأموال ، لم تجب لأحد بعينه فمنعها ، وتولية أقاربه ، فلما شكوا إليه عزلهم وأقام الحد على من استحقه ، وأنه صرف الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، ونفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم للحكم لم يكن حدا واجبا ، ولا شريعة على التأبيد ، وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي ، والتوبة مبسوطة ، فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام ، وصارت الأرض كلها له مباحة ، وأنه ضرب عمارا خمسة أسواط ، ونفى أبا ذر إلى الربذة. وهذا كله لا يبيح الدم.
قالوا : وإيواء عليّ المحدثين أعظم الأحداث من سفك الدم الحرام في حرم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا سيما دم الإمام وصاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أعظم ، والمنع من إنفاذ الحق عليهم أشدّ من كل ما ذكرنا بلا شك.
قالوا : وامتناع معاوية من بيعة علي ، كامتناع علي من بيعة أبي بكر ، فما حاربه أبو بكر ، ولا أكرهه ، وأبو بكر أقدر على عليّ من عليّ على معاوية ، ومعاوية في تأخره عن بيعة علي أعذر وأفسح مقالا من علي في تأخره عن بيعة أبي بكر ، لأن عليا لم يمتنع من بيعة أبي بكر أحد من المسلمين غيره ، بعد أن بايعه الأنصار ، والزبير ، وأما بيعة علي فإن جمهور الصحابة تأخروا عنها ، إما عليه وإما لا له ولا عليه ، ولا تابعه منهم إلا الأقلّ سوى أزيد من مائة ألف مسلم بالشام والعراق والحجاز كلهم امتنع من بيعته فهل معاوية إلا كواحد من هؤلاء في ذلك ..؟
وأيضا فإن بيعة علي لم تكن على عهد من النبي صلىاللهعليهوسلم كما كانت بيعة أبي