بكر ، ولا عن إجماع من الأمة كما كانت بيعة عثمان ، ولا عن عهد من خليفة واجب الطاعة كما كانت بيعة عمر ، ولا بسوق بائن في الفضل على غيره لا يختلف فيه ، ولا عن شورى ، فالقاعدون عنها بلا شك ومعاوية من جملتهم أعذر من علي في قعوده عن بيعة أبي بكر ستة أشهر حتى رأى البصيرة ، وراجع الحق عليه في ذلك.
قالوا : فإن قلتم خفي على عليّ نص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أبي بكر ، قلنا لكم : لم يخف عليه بلا شك تقديم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر إلى الصلاة ، وأمره عليا بأن يصلي وراءه في جماعة المسلمين ، فتأخره عن بيعة أبي بكر سعي منه في حطه عن مكان جعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقا لأبي بكر ، وسعي منه في فسخ نص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على تقديمه إلى الصلاة ، وهذا أشد من رد إنسان نفاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لذنب ثم تاب منه ، وأيضا فإن عليا قد تاب واعترف بالخطإ ، لأنه إذ بايع أبا بكر بعد ستة أشهر تأخر فيها ان بيعته لا يخلو ضرورة من أحد وجهين : إما أن يكون مصيبا في تأخره فقد أخطأ إذ بايع ، أو يكون مصيبا في بيعته فقد أخطأ إذ تأخر عنها. قالوا : والممتنعون من بيعة علي لم يعترفوا قط بالخطإ على أنفسهم في تأخرهم عن بيعته. قالوا : فإن كان فعلهم خطأ فهو أخف من الخطأ في تأخر علي عن بيعة أبي بكر ، وإن كان فعلهم صوابا فقد برئوا من الخطأ جملة. قالوا : والبون بين طلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعلي ، خفي جدا ، فقد كانوا في الشورى معه لا يبدو له فضل تفوق عليهم ، ولا على واحد منهم ، وأما البون بين علي وأبي بكر أبين وأظهر ، فهم من امتناعهم عن بيعته أعذر لخفاء التفاضل. قالوا : وهلا فعل علي في قتلة عثمان كما فعل بقتلة عبد الله بن خبّاب بن الأرت فإن القضيتين استويا في التحريم ، فالمصيبة في قتل عثمان في الإسلام وعند الله عزوجل وعلى المسلمين أعظم جرما وأوسع خرقا ، وأشنع إثما ، وأهول فيقا (١) من المصيبة في قتل عبد الله بن خبّاب ، قالوا : وفعله في طلب دم عبد الله بن خباب يقطع حجة من تأول على عليّ أنه يمكن أن يكون لا يرى قتل الجماعة بالواحد.
قال أبو محمد : هذا كل ما يمكن أن تحتج به هذه الطائفة قد تقصيناه ، ونحن إن شاء الله تعالى متكلمون على ما ذهبت إليه كل طائفة من هذه الطوائف حتى يلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى وتأييده.
قال أبو محمد : نبدأ بعون الله عزوجل بإنكار الخوارج التحكيم.
__________________
(١) أهول فيقا : أي تفوقها.