قال أبو محمد : قالوا حكم عليّ الرجال في دين الله تعالى ، والله عزوجل قد حرم ذلك بقوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [سورة الأنعام : ٥٧].
وبقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) [سورة الشورى : ١٠].
قال أبو محمد : ما حكم عليّ رضي الله عنه قطّ رجلا في دين الله ، وحاشاه من ذلك ، وإنما حكّم كلام الله عزوجل كما افترض الله تعالى عليه ، وإنما اتفق القوم كلهم إذ رفعت المصاحف على الرماح ، وتداعوا إلى ما فيها على الحكم بما أنزل الله عزوجل في القرآن ، وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد غيره لأن الله تعالى يقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [سورة النساء : ٥٩].
فإنما حكم علي رضي الله عنه أبا موسى وعمرا رضي الله عنهما ليكون كل واحد منهما مدليا بحجة من قومه ، وليكونا متخاصمين عن الطائفتين ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له ، وإذ من المحال الممتنع الذي لا يمكن أن يفهم لغط العسكرين أو أن يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم ، فصح يقينا لا محيد عنه صواب علي في تحكيم الحكمين والرجوع إلى ما أوجبه القرآن ، وهذا الذي لا يجوز غيره ، ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعرابا قرءوا القرآن قبل أن يتفقوا في السنة الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء ، لا من أصحاب ابن مسعود ، ولا أصحاب عمر ، ولا أصحاب علي ، ولا أصحاب عائشة ، ولا أصحاب أبي موسى ، ولا أصحاب معاذ بن جبل ، ولا أصحاب أبي الدرداء ، ولا أصحاب سلمان ، ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضا عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها ، فظهر ضعف القوم ، وقوة جهلهم ، وأنهم أنكروا ما قام البرهان الذي أوردنا بأنه حق ، ولو لم يكن من جهلهم ، إلا قرب عهدهم بخبر الأنصار يوم السقيفة ، وإذعانهم رضي الله عنهم مع جميع المهاجرين لوجوب الأمر في قريش دون الأنصار وغيرهم ، وأن عهدهم بذلك قريب منذ خمسة وعشرين عاما وأشهر ، وجمهورهم أدرك ذلك بسنّة ، وثبت عند جميعهم كثبات أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ولا فرق ، لأن الذين نقلوا إليهم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونقلوا إليهم القرآن ، والشرائع ، فدانوا بكل ذلك هم بأعيانهم لا زيادة فيهم ولا نقص ، نقلوا إليهم خبر السقيفة ، ورجوع الأنصار إلى أن الأمر لا يكون إلا في قريش ، وهم يقرون ويقرءون قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].