المولتان (١) فما بين ذلك من المدن والقرى ، ولا بدّ من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكنا لما لزم لأنه دعوى بلا برهان ، وإنما قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [سورة المائدة : ٢](كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [سورة النساء : ١٣٥].
فهذان الأمران متوجهان أحدهما : إلى كل إنسان في ذاته ، ولا يسقط عنه وجوب القيام بالقسط انتظار غيره في ذلك.
وأمّا التعاون على البرّ والتقوى فمتوجه إلى كل اثنين فصاعدا لأن التعاون فعل من فاعلين ، وليس فعل واحد ، ولا يسقط عن الاثنين فرض تعاونهما على البرّ والتقوى انتظار ثالث ، إذ لو كان ذلك لما لزم أحدا قيام بقسط ، ولا تعاون على برّ وتقوى ، إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبدا لتباعد أقطارهم ولتخلف من تخلف عن ذلك لعذر أو على وجه المعصية ، ولو كان هذا لكان أمر الله تعالى بالقيام بالقسط وبالتعاون على البرّ والتقوى باطلا فارغا ، وهذا خروج عن الإسلام ، فسقط القول المذكور وبالله تعالى التوفيق.
وأما قول من قال إن عقد الإمام لا يصح إلّا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة ، فإنّ أهل الشام كانوا قد ادّعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك ، واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام.
قال أبو محمد : وهو قول فاسد لا حجة لأهله ، وكل قول في الدّين عريّ عن دليل من القرآن أو من سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين. قال الله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. فصح أن من لا برهان له على صحّة قوله فليس صادقا فيه فسقط هذا القول أيضا.
وأمّا قول الجبائي (٢) فإنه تعلق فيه بفعل عمر رضي الله عنه في الشورى ، إذ قلدها ستة رجال ، وأمرهم أن يختاروا واحدا منهم ، فصار الاختيار منهم بخمسة فقط.
قال أبو محمد : وهذا ليس شيئا لوجوه :
أولها : أنّ عمر لم يقل إن تقليد الاختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال : إن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد ، فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. فقد أجاز عقد ثلاثة.
__________________
(١) ذكرها قبل ثلاثة أسطر.
(٢) وهو قوله إن الإمامة لا تصحّ بأقلّ من عقد خمسة رجال. وقد تقدّم.