ثمّ لتعسّف السلطة العبّاسيّة تفجّرت الثورات العلويّة في أماكن شتّى ، واستجاب أهل الريّ لتلك الثورات ، وأسهموا فيها بشكل كبير ، ففي زمان المعتصم ( ٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ ) استجاب أكثر أهل الريّ لثورة محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام الذي ظهر في زمان المعتصم بطالقان.
وفي زمان المستعين ( ٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ ) أنشأ الحسن بن زيد العلوي الدولة العلويّة في طبرستان ، وسرعان ما امتدّ نفوذها إلى الريّ. ولم يدم الأمر هكذا ، إذ تمكّن قوّاد المعتزّ ( ٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ ) من الترك في أواخر عهده من السيطرة على الريّ في سنة ( ٢٥٥ هـ ) ، وخضعت الريّ إلى سلطة الأتراك وتعاقب ولاتهم عليها حتّى حدثت وقعة عظيمة في الريّ بين إسماعيل بن أحمد الساماني ومحمّد بن هارون في سنة ( ٢٨٩ هـ ) وانتهت بهزيمة ابن هارون ودخول السامانيّين إلى الريّ وبسط نفوذهم وسلطتهم عليها. وهكذا استمرّ حكم الريّ بيد السامانيّين ، ولم ينقطع حكمهم عليها إلاّفي فترات قليلة.
ولم يلبث حال الريّ عرضة للأطراف المتنازعة عليها إلى أن تمكّن أبو عليّ بن محمّد بن المظفّر صاحب جيوش خراسان للسامانيّين من دخول الريّ سنة ( ٣٢٩ ه ).
ولم يستتب أمر الريّ بيدّ البويهيّين ؛ إذ نازعهم عليها الخراسانيّون من السامانيّين ، إلى أن تمكّن البويهيّون بقيادة ركن الدولة البويهي من الريّ ، فانتزعوها من أيدي السامانيّين في سنة ( ٣٣٥ هـ ) (١) ، أي بعد ستّ سنين على وفاة ثقة الإسلام الكليني ببغداد.
وبهذا نكون قد توفّرنا على الإطار السياسي الواضح الذي كان يلفّ الريّ منذ فتحها الإسلامي وإلى نهاية عصر الكليني الذي احتضن ثقة الإسلام زماناً ومكاناً.
المطلب الثاني : الحياة الثقافيّة والفكريّة في الريّ
امتازت الريّ عن غيرها من بلاد فارس بموقعها الجغرافي ، وأهمّيّتها الاقتصاديّة ، فهي كثيرة الخيرات ، وافرة الغلاّت ، عذبة الماء ، نقيّة الهواء ، مع بُعدها عن مركز الخلافة العبّاسيّة ببغداد ، زيادة على كونها بوّابة للشرق في حركات الفتح الإسلامي ، ومَتجراً مهمّاً في ذلك الحين.
__________________
(١) الكامل في التاريخ ، ج ٧ ، ص ٢١٩ ؛ البداية والنهاية ، ج ١١ ، ص ٢٤٤.