ولشهرة الريّ وموقعها قصدها بعض الصحابة (١) وكبار التابعين وتابعيهم ، كسعيد بن جبير ، حيث كانت له رحلة شملت مدينة الريّ ، والتقى به الضحّاك ( م ١٠٥ هـ ) وكتب عنه التفسير في الريّ (٢). ووصل الشعبي ( م ١٠٣ هـ ) إلى الريّ ليدخل على الحجّاج يوم كان عاملاً لطاغية عصره عبدالملك بن مروان على الريّ (٣). كما دخلها سفيان الثوري ( م ١٦١ هـ ) (٤).
ومات في الريّ الكثير من الأعلام والفقهاء والمحدّثين والأدباء والشعراء والقوّاد ، كمحمّد بن الحسن الشيباني ، والكسائي النحوي ، والحجّاج بن أرطاة ، وغيرهم. وكان للشعراء والادباء حضور بارز في تلك المدينة.
المذاهب والاتّجاهات الفكريّة في الريّ :
ضمّت الريّ في تاريخها الإسلامي خليطاً من المذاهب والفرق والتيّارات الفكريّة المتعدّدة ، وكانت جذور هذا الخليط الواسع ممتدّة في تاريخ الريّ ، ممّا نجم عن ذلك ثقل ما وصل إلى زمان الكليني رحمهالله من التراث بكلّ مخلّفاته ، والذي ابتعد في كثير منه عن الإسلام روحاً ومعنىً ، ومعرفة كلّ هذا يفسّر لنا سبب طول الزمان الذي استغرقه ثقة الإسلام في تأليف الكافي الذي تقصّى فيه الحقائق ، ودرس الآراء السائدة في مجتمعه ، واستوعب اتّجاهاتها ، ومحّصها بدقّة ، حتّى جاء بالإجابة الشافية على جميع ما كان يحمله تراث الريّ من تساؤلات.
وفيما يأتي استعراض سريع لما شهدته الريّ من مذاهب وفرق وآراء ، وهي :
١ ـ الخوارج :
كان الطابع العام لمجتمع الريّ بعد فتحها الإسلامي هو الدخول التدريجي في الدين الجديد بمعناه الإسلامي العريض ؛ إذ لم تكن هناك مذاهب وفرق ، وإنّما انحصر الأمر في اعتناق الإسلام بإعلان الشهادتين ، ولا يمنع هذا من الميل إلى بعض الاتّجاهات الفكريّة المتطرّفة. ولا غرابة في ذلك ؛ لأنّ قرب العهد بالدين الجديد مع
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٣١١.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٣١٢.
(٣) مصنّف ابن أبي شيبة ، ج ٧ ، ص ٢٤٧ ، ح ٢ ؛ فتوح البلدان ، ص ٣١٢.
(٤) الجرح والتعديل ، ج ١ ، ص ١٠٣.