خامساً ـ تدخّل الأتراك في سياسة الدولة وتحكّمهم في مصير العبّاسيّين :
من الامور البارزة في تاريخ هذا العصر ظهور العنصر التركي وسيطرته على مقاليد الامور ، الأمر الذي يعبّر لنا عن ضعف السلطة المركزيّة وتدهورها ؛ لانشغالهم بلهوهم ومجونهم ، بحيث نتج عن هذا سيطرة الأتراك على الدولة وتدخّلهم المباشر في رسم سياستها ، ويرجع تاريخ تدخّلهم في ذلك إلى عهد المعتصم ( ٢١٨ ـ ٢٢٧ هـ ) ؛ لأنّه أوّل من جلبهم إلى الديوان ، ثمّ صار جلّ اعتماده عليهم في توطيد حكمه ، فانخرطوا في صفوف الجيش ، وترقّوا إلى الرتب والمناصب العالية ، فقويت شوكتهم إلى أن تفرّدوا بالأمر غير تاركين لسادتهم الخلفاء سوى سلطة اسميّة ، وأصبح الخليفة كالأسير بيد حرسه.
وقد عانى بنو العباس من العنصر التركي وبال ماجنته أيديهم ، وذاقوا منهم الأمرَّين ، حتّى صار أمر البلاد بأيديهم يقتلون ويعزلون وينصبون من شاؤوا.
وأمّا في عهد المستعين بالله ( ٢٤٧ ـ ٢٥٢ هـ ) ، غَلَب اوتامش ابن اخت بغا الكبير على التدبير والأمر والنهي (١) ، وكان المستعين العوبة بيد وصيف ، وبغا الكبير ، ثمّ خلعوه ، وبايعوا المعتزّ ، ثمّ بدا لهم قتل المستعين ، فذبحوه كما تذبح الشاة ، وحملوا رأسه إلى المعتزّ (٢). وكذا المعتزّ ( ٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ ) ، فقد غُلِب على الأمر في عهده ، وتفرّد بالتدبير صالح بن وصيف ، وهو الذي خلع المعتزّ وقتله حيث أمر الأتراك بالهجوم عليه (٣).
وأمّا المهتدي ( ٢٥٥ ـ ٢٥٦ هـ ) فقد خلعه الأتراك وهجموا على عسكره ، فأسروه وقتلوه. وأمّا المقتدر ( ٢٩٥ ـ ٣٢٠ هـ ) فقد بايعه الأتراك وعزلوه ، ثمّ أعادوه أكثر من مرّة.
وأما القاهر بالله ( ٣٢٠ ـ ٣٢٢ هـ ) فسرعان ما خلعوه من السلطة ، وسملوا عينيه بمسمار محمي حتّى سالتا على خدّيه. وكذا الراضي ( ٣٢٢ ـ ٣٢٩ هـ ) ومن جاء بعده كالمتّقي ( ٣٢٩ ـ ٣٣٣ هـ ) ، والمستكفي ( ٣٣٣ ـ ٣٣٤ هـ ) الذي دخل البويهيّون في زمانه إلى بغداد ، حيث سملت أعينهم جميعاً.
__________________
(١) التنبيه والإشراف ، ص ٣١٥.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٩ ، ص ٣٤٨ و ٣٦٣ و ٣٨٩ و ٣٩٠ ؛ تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ٤٩٩.
(٣) التنبيه والإشراف ، ص ٣١٦.