الثاني
الهويّة الشخصيّة للشيخ الكلينيّ
توطئة :
هناك الكثير من الامور الغامضة في الحياة الشخصيّة لعباقرة الشيعة ، لم تزل طرق البحث موصدة أمام اكتشافها ؛ لعدم وجود ما يدلّ على تفاصيل تلك الحياة ، خصوصاً بعد حرق مكتبات الشيعة في القرن الخامس الهجري.
ولا يفيدنا ـ في المقام ـ علم الرجال إلاّشذرات من هنا وهناك. وأمّا علم التراجم فعلى الرغم من تأخّر نشأته ، وضياع اصوله الاولى ، لا زال إلى اليوم يفتقر إلى الاسس الموضوعيّة التي لابدّ من مراعاتها ، ولا يكفي وصول بعض مؤلّفاتهم أو كلّها لإزالة ذلك الغموض ؛ لاختصاص كلّ كتاب بموضوعه ؛ فكتب الحديث ـ مثلاً ـ لا تدلّنا على أصل مؤلّفيها ، ولا توقفنا على عمود نِسَبِهم ، ولا تاريخ ولاداتهم ، أو نشأتهم ، وهكذا في امور كثيرة اخرى تتّصل بهويّتهم ، وإن أفادت كثيراً في معرفة ثقافتهم ، وفكرهم ، وتوجّههم. وانطلاقاً من هذه الحقائق المرّة سنحاول دراسة الهويّة الشخصيّة للكليني بتوظيف كلّ ما من شأنه أن يصوِّر لنا جانباً من تلك الهويّة ؛ لنأتي بعد ذلك على دراسة شخصيّته العلميّة وبيان ركائزها الأساسيّة ، كالآتي :
أولاً ـ اسمه :
هو محمّد بن يعقوب بن إسحاق ، بلا خلاف بين سائر مترجميه ، إلاّمن شذّ منهم من علماء العامّة ، كالوارد في الكامل في التاريخ في حوادث سنة ( ٣٢٨ هـ ) حيث قال : « وفيها تُوفّي محمّد بن يعقوب ، وقُتِل محمّد بن عليّ أبو جعفر الكليني ، وهو من أئمّة الإماميّة ، وعلمائهم » (١).
__________________
(١) الكامل في التاريخ ، ج ٨ ، ص ٣٦٤.