المبحث الأوّل
الحياة السياسيّة والفكريّة في الريّ
المطلب الأوّل : الحياة السياسيّة في الريّ
تُعدّ الريّ من أوّل المدن التي بُنيت في زمان الأكاسرة بعد مدينة ( جيومَرْت ) ، ولمّا طال عليها الأمد جدّد بناءها الملك فيروز ، وسمّاها ( رام فيروز ) (١) ، ولكنّها تعرّضت ـ بعد الفتح الإسلامي ـ للهدم والبناء والتجديد.
ومن المعارك الحاسمة في تاريخها قبل الفتح الإسلامي المعركة التي دارت بين ولدي يزدجرد بالريّ : « فيروز » و « هرمز » (٢). وقد تعرّضت الرىّ لأوّل غزو من العرب قبل الإسلام على يد عمرو بن معديكرب ، ثمّ انصرف منها ومات في كرمنشاه (٣).
هذا قبل فتحها إسلاميّاً ، وأمّا بعد فتحها فقد اختلف المؤرّخون في تاريخ دخول الإسلام بلاد الريّ ، تبعاً لاختلافهم في تاريخ فتحها. والمتحصّل من جميع الأقوال : أنّ تاريخ فتح الريّ مردّد ما بين الفترة من سنة ثمان عشرة وحتّى سنة ثلاث وعشرين.
وقد شهد قاضي الريّ يحيى بن الضريس بن يسار البجلي أبو زكريّا الرازي ( م ٢٠٣ هـ ) على انتقاض الريّ في زماني عمر وعثمان مرّات عديدة (٤). ولا شكّ أنّ انتقاضها وتمرّد أهلها خمس مرّات متعاقبة في أقلّ من عشر سنين يشير بوضوح إلى سوء تصرّف الفاتحين ، كتخريبهم المدينة وهدمها ، وإلاّفالإسلام الذي أبدل عنجهيّة قريش وغيّر من معالم جاهليّتها البغيضة قادر على اجتياح نفوس أهل الريّ بفتح سليم واحد. ولعلّ ما قام به أمير المؤمنين عليهالسلام يشير إلى هذه الحقيقة ؛ إذ أوقف زحف الجيوش الإسلاميّة ريثما يستتبّ إصلاح الامّة من الداخل ، ومن هنا قام بعزل ولاة عثمان وعيّن ولاة جدداً آخرين مكانهم.
ولم يُؤْثَر عن أهل الريّ طيلة مدّة خلافة أمير المؤمنين الفعليّة وخلافة الحسن
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٨٣ ؛ الأخبار الطوال ، ص ٣٨ و ٥٩ ؛ معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ١١٦.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ٨٢.
(٣) فتوح البلدان ، ص ٣١٢ ؛ تاريخ الطبري ، ج ٣ ، ص ٣١٢.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٣١٠ ؛ البداية والنهاية ، ج ٧ ، ص ١٥٠ ، في حوادث سنة ٢٤ ه.