وكان الصراع بين المدرستين يشتدّ تارة ويخفّ أو يتلاشى اخرى بحسب مواقف السلطة ومبتنياتها الفكريّة ، ولهذا نجد انتعاش المدرسة العقليّة في عهد المأمون ( ١٩٨ ـ ٢١٨ هـ ) لميله إليها ، وحتّى عهد الواثق ( ٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ ) ، ولمّا جاء المتوكّل ( ٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ ) أظهر ميله إلى المدرسة السلفيّة ، وأرغم الناس على التسليم والتقليد ، ونهاهم عن المناظرة والجدل ، وعمّم ذلك على جميع بلاد الإسلام (١) ، وسار على نهجه المعتمد والمعتضد (٢).
وممّن عرف من رجال المدرسة السلفيّة في بلاد الريّ الفضل بن غانم الخزاعي. ومن أنصار المعتزلة في الريّ قاضيها جعفر بن عيسى بن عبدالله بن الحسن بن أبي الحسن البصري ( م ٢١٩ هـ ) ، حيث كان يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن أيّام المحنة ببغداد.
ويكفي أنّ أشهر المعتزلة القاضي عبد الجبّار المعتزلي المولود بالريّ سنة ( ٣٢٥ هـ ) قبل وفاة ثقة الإسلام الكليني رحمهالله بأربع سنين قد تقلّد منصب قاضي القضاة في الريّ.
٤ ـ الزيديّة :
كان للزيديّة وجود في بلاد الريّ ، ويدلّ عليه دخول جماعة من أهل الريّ على الإمام أبي جعفر الجواد عليهالسلام ببغداد ، وكان فيهم رجل زيديّ ، وجماعته لا يعلمون مذهبه ، فكشف لهم الإمام عليهالسلام عن مذهبه (٣) ، ومن المستبعد أن يكون هو الزيدي الوحيد في تلك البلاد ، خصوصاً وأنّ الدولة العلويّة في طبرستان قد سيطرت على الريّ ، وفي قادتها من أعلام الزيديّة الكثير نظير عيسى بن محمّد العلوي أحد كبار العلماء في الريّ.
٥ ـ النجاريّة :
وهم أتباع الحسين بن محمّد النجار ، وقد افترقت بناحية الريّ إلى فرق كثيرة يكفّر بعضها بعضاً (٤) ، وقد عدّ المصنّفون في المقالات فرق النجاريّة من الجبريّة (٥) في حين
__________________
(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ؛ التنبيه والإشراف ، ص ٣١٤.
(٢) البداية والنهاية ، ج ١١ ، ص ٧٤ ؛ تاريخ الخلفاء ، ص ٢٩٤ و ٢٩٩.
(٣) الهداية الكبرى ، ص ٣٠٢ ؛ الخرائج والجرائح ، ج ٢ ، ص ٦٦٩ ، ح ١٢.
(٤) الفَرْقُ بين الفِرَق ، ص ٢٢.
(٥) الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٩٥.