البقاء وأسباب الخلود على رغم العواصف العاتية التي وقفت حائلاً بوجه امتداده.
وهكذا كان للضغط السياسي المتواصل على الشيعة دورٌ في امتداد التشيّع خارج رقعته الجغرافيّة ، بحيث استطاع في الشرق أن يمصِّرَ مدناً ويبني دولة في الطالقان ، وأن يؤسّس في الغرب الإسلامي دولة كبرى لا زال أزهر مصر يشهد على فضلها وآثارها.
وبعد هذه المقدّمة الخاطفة لنرى كيف استطاع التشيّع أن يشقّ طريقه إلى الريّ بعد أن عرفنا نصبها وعداوتها لأهل البيت عليهمالسلام ، فضلاً عمّا كان فيها من اتّجاهات مذهبيّة وطوائف مختلفة ، مضافاً لموقف السلطة المساند لهذا الإتّجاه أو ذاك ما خلا الشيعة؟
كانت الصفة الغالبة على أهل الريّ قبل عصر الكليني هي الامويّة السفيانيّة الناصبة ، مع تفشّي الآراء المتطرّفة والأفكار المنحرفة ، والفرق الكثيرة التي لا تدين بمذهب آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن لم يعدم الوجود الشيعي في الريّ ، وإنّما كان هناك بعض الشيعة من الرازيّين الذين اعتنقوا التشيّع تأثّراً بمبادئه ، وساعدهم على ذلك وجود بعض الموالي الشيعة من الفرس في الكوفة في زمان أمير المؤمنين عليهالسلام ، مضافاً لمن سكن الريّ من شيعة العراق ، ومن استوطنها من أبناء وأحفاد أهل البيت عليهمالسلام الذين جاؤوها هرباً من تعسّف السلطات. ويظهر من خلال بعض النصوص أنّ الشيعة فيها كانوا في تقيّة تامّة ، حتّى بلغ الأمر أنّ السيّد الجليل عبدالعظيم الحسني الذي سكن الريّ وكان من أجلاّء أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهماالسلام ، لم يعرفه أحد من شيعة الريّ إلى حين وفاته ، حيث وجدوا في جيبه ـ وهو على المغتسل ـ رقعة يذكر فيها اسمه ونسبه!
المبحث الثاني
بغداد سياسيّاً وفكريّاً في عصر الكليني
المطلب الأوّل : الحياة السياسيّة ببغداد
امتاز العصر العبّاسي الأوّل ( ١٣٢ ـ ٢٣٢ هـ ) بسيطرة العبّاسيّين على زمام الامور سيطرة محكمة ، وإدارة شؤون الدولة بحزم وقوّة ، بخلاف العصر العبّاسي الثاني الذي ابتدأ بمجيء المتوكّل إلى السلطة وانتهى بدخول البويهيّين إلى بغداد سنة ( ٣٤٤ هـ ) حيث تدهورت فيه الأوضاع السياسيّة كثيراً ، لاسيّما في الفترة الأخيرة منه ، وهي التي