الموقف الثاني : الإطمئنان والوثوق بصحّة أحاديث الكافي ، بالمعنى المتعارف عليه قبل تقسيم الأخبار إلى صحيح وحسن وموثّق وضعيف ، وهذا هو قول الأخباريّين الذي يمثّل جانب الاعتدال بالقياس إلى الموقف الثالث.
الموقف الثالث : ويمثّله قول الأسترآبادي ، والخليل بن غازي القزويني ، ومن وافقهم من الأخباريّين ، وخلاصته : الحكم بقطعيّة صدور أحاديث الكافي عن المعصومين عليهمالسلام ، وهو شبيه بقول العامّة بشأن أحاديث البخاري ومسلم ، ولا دليل عليه إلاّ بعض القرائن التي صرّح المحدّث النوري بأنّها لا تنهض بذلك.
لقد احتدم النقاش بين الأخباريّين والاصوليّين حتى بلغ ذروته في عصر العَلَمين البحراني والوحيد البهبهاني ٠ ، وحاول كلّ فريقٍ مناقشة آراء الطرف الآخر وإثبات بطلانها ، ويبدو من خلال مراجعة كلمات أقطاب الشيعة قبل ظهور الفكر الأخباري أنّ ما تبنّاه الاصوليّون هو الأقرب للصحّة ، باعتباره من أكثر الأقوال قرباً من واقع الكتب الأربعة وانسجاماً مع مواقف الأعلام المتقدّمين من أحاديث الكافي ، وإن تعسّف بعضهم ـ أحياناً كثيرة ـ بتضعيف من ليس بضعيف!
منهج الكليني في أسانيد الكافي :
اختلف المنهج السندي في كتاب الكافي اختلافاً كلّياً عن المنهج السندي في كتاب من لا يحضره الفقيه وكتابي التهذيب والاستبصار ، إذْ سَلَكَ كلّ من المحمّدين الثلاثة طريقاً يختلف عن الآخر في إسناد الأحاديث.
فالصدوق حذف أسانيد الأحاديث التي أخرجها في كتابه الفقيه لأجل الاختصار ، ولم يُسند في متن الكتاب غير تسعة أحاديث فقط (١) بحسب ما استقرأناه. وقد استدرك على ما رواه بصورة التعليق بمشيخةٍ في آخر الكتاب أوصل بها طرقه إلى أغلب مَنْ روى عنهم في الفقيه لتخرج مرويّاته عن حدّ الإرسال.
وأمّا الشيخ الطوسي فقد سلك في منهجه السندي في التهذيب والاستبصار تارةً
__________________
(١) الفقيه ، ج ١ ، ص ٣١٥ ، ح ١٤٣١ ؛ وج ٢ ، ص ١٥٤ ، ح ٦٦٨ ؛ وص ٢١١ ح ٩٦٧ ؛ وج ٣ ، ص ٦١ ، ح ٢١١ ؛ وص ٦٢ ، ح ٢١٢ ؛ وص ٦٥ ، ح ٢١٨ ؛ وج ٤ ، ص ١٦٥ ، ح ٥٧٨ ؛ وص ٢٧٣ ، ح ٨٢٩ ؛ وص ٣٠١ ، ح ٩١١.