مسلك الشيخ الكليني الآتي ، واخرى مسلك الشيخ الصدوق في كتابه الفقيه ، وذلك بحذف صدر السند والابتداء بمن نقل من كتابه أو أصله ، مع الاستدراك في آخر الكتابين بمشيخةٍ على غِرار ما فعله الشيخ الصدوق.
وأمّا الكليني : فقد سلك في كتابه الكافي منهجاً سنديّاً ينمُّ عن قابليّة نادرة وتتبّع واسع وعلمٍ غزير في متابعة طرق الروايات وتفصيل أسانيدها ؛ إذْ التزم بذكر سلسلة سند الحديث إلاّما نَدَرَ ، مع ملاحظة امور كثيرة في الإسناد.
منها : اختلاف طرق الرواية ، فكثيراً ما تجده يروي الرواية الواحدة بأكثر من إسنادٍ واحدٍ ، وإذا لوحظت أخبار الكافي بلحاظ تعدّد رواتها ، فإنّك تجد فيه تعدّد رواة الخبر في طبقات السند ، بحيث تجد الكثير من الأسانيد قد تحقّقت فيها الاستفاضة أو الشهرة (١) في بعض مراتبها كروايته عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ والحسين بن محمّد ، عن عبدويه وغيره ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً. (٢)
وكذلك نجد الخبر العزيز (٣) في بعض المراتب أيضاً ، كروايته عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ؛ وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى (٤) ، وهنا قد تحقّق الخبر العزيز بثلاث طبقات ، إذ نقله الكليني عن اثنين ، عن اثنين ، عن اثنين.
هذا وقد يعدل الكليني أحياناً عن هذا المنهج عند توافر أكثر من طريق واحد للرواية ، وذلك بذكر سند الطريق الأوّل ثمّ يعقّبه بعد هذا بالطريق الثاني ، ذاكراً في نهايته عبارة : « مثله » ، إشارة منه إلى تطابق المتن في كلا الطريقين. وهو من أوضح
__________________
(١) الخبر المستفيض أو المشهور ، هو من أقسام خبر الآحاد المسند باعتبار عدد رواته. وعرّفوه بأنّه : ما زادت رواته على ثلاثة أو اثنين في كل مرتبة من مراتب السند من أوّله إلى منتهاه ، ويسمّى بالمشهور أيضاً ، وقد يغاير بينهما على أساس تحقّق الوصف المذكور في المستفيض دون المشهور ؛ لأنّه أعم من ذلك كحديث « إنّما الأعمال بالنيّات » ، فهو مشهور غير مستفيض ، للانفراد في نقله ابتداءً وطروّ الشهرة عليه بعد ذلك.
انظر : الدراية ، ص ٣٢ ؛ مقباس الهداية ، ج ١ ، ص ١٢٨ ؛ نهاية الدراية ، ص ١٨٨.
(٢) الكافي ، كتاب الحجّ ، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل ... ، ح ٦٧٢٨ ، وكثير مثله.
(٣) الخبر العزيز : هو ما يرويه اثنان من الرواة عن اثنين ، وصولاً إلى المعصوم عليهالسلام. انظر : الدراية ، ص ١٦ ؛ مقباس الهداية ، ج ١ ، ص ١٣٤.
(٤) الكافي ، كتاب الطهارة ، باب الماء الذي لا ينجّسه شيء ، ح ٣٨٠٧.