مصاديق الخبر العزيز في الكافي (١).
ومن الامور التي تلاحظ على منهجه السندي أنّه كثيراً ما يرد في أسانيد الكافي ذكر كُنى الرواة وبلدانهم وقبائلهم وحِرَفِهم ، أمّا حذف الاسم والاكتفاء بما يدلّ عليه من كنية أو لقب ، فلا يدلّ على التدليس كما قد يتوهّمه الجاهل ؛ لأنّ الحذف لم يكن من الكليني تعمّداً بل من مشايخه الذين كانوا يكنّون مشايخهم تقديراً لهم ، لما في إطلاق الكنية من معاني الاحترام ، وقد عرف العرب بالتكنية ، ولهم في الاعتداد بها طرائف كثيرة ليس هنا محلّ تفصيلها. غاية الأمر أنّ ما ينسب إلى الكليني وهو في الواقع إلى مشايخه إنّما باعتبار التدوين بعد الاختيار.
إذن ، نسبة جميع ما يرد في الإسناد ؛ من ألفاظ وإن كانت مجهولة أحياناً مثل : « عن شيخ » أو « عن رجل » ونحو ذلك ، إنّما ينسب إلى الكليني بهذا الاعتبار ، لا أنّه تعمّد إخفاء الاسم والتعبير عنه بمثل هذه الألفاظ كما قد نجده عند بعض المهرّجين الأغبياء الذين لم يلتفتوا إلى حقيقة هذا المقصد.
وهناك مفردات اخرى في المنهج السندي في كتاب الكافي نشير إلى بعضها اختصاراً :
منها : الالتزام بالعنعنة في الإسناد كبديل مختصر عن صيغ الأداء الاخرى التي وردت في الكافي بصورة أقلّ من العنعنة.
ومنها : الأمانة العلميّة في التزام نقل ألفاظ مشايخ السند ، ومثاله نقله حتّى لتردّد الرواة في التحديث عن مشايخهم بلفظ « حدّثني فلان ، أو روى فلان » (٢). أو التصريح بما أرسله بعض المشايخ ، أو رفعه. (٣)
ومنها : اختصار سلسلة السند المتكرّر بعبارة : « وبهذا الإسناد » ، (٤) أو حذف تمام
__________________
(١) أغلب الأحاديث التي لم ترقّم في طبعات الكافي ، هي من الأحاديث العزيزة المرويّة بطريقين مختلفين ، ابتداءً من الكليني وانتهاءً بالمعصوم عليهالسلام.
(٢) الكافي ، كتاب الطلاق ، باب طلاق الغائب ، ح ١٠٧٣٨.
(٣) ومثال التصريح بالإرسال تجده في الكافي ، كتاب العقيقة ، باب فضل الولد ، ح ١٠٤١٦ ؛ وكتاب الأشربة ، باب تحريم الخمر في الكتاب ، ح ١٢٢٨٥. ومثال التصريح بالرفع تجده في الكافي ، كتاب العقل والجهل ، ح ٣ و ١٣ و ٢٨ و ٣٠.
(٤) الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقاييس ، ح ١٦٣ و ١٦٤.