ومن خصائص هذا العصر التطوّر الكبير الذي شهده الخطّ العربي ، حيث استُبدِل الخطّ الكوفي المعقّد بخطّ النسخ الرشيق السهل ، ممّا ساعد على سرعة الكتابة والاستنساخ. كما نشط المؤلّفون في هذا العصر في علوم الشريعة الإسلاميّة وغيرها كالتفسير ، والتاريخ ، والجغرافية ، والطب ، والهندسة ، والرياضيّات ، والفلك ، والفلسفة.
ومن معالم النشاط الثقافي في هذا العصر ببغداد الاندفاع نحو ترجمة الكتب النفيسة من السريانيّة ، واليونانيّة ، والفارسيّة إلى اللغة العربيّة.
ونتيجة منطقيّة لهذه الحركة الواسعة من التأليف والترجمة طفحت حوانيت الورّاقين بالكتب ، وما أكثر الورّاقين ببغداد في ذلك العصر ، حتّى كانت لهم سوق ببغداد تعرف بسوق الكتب.
هذا ، وقد بلغ شغف العلماء بالكتب في عصر الكليني درجة تفوق الوصف ، بحيث أنّ قسماً منها كان يكتب بماء الذهب ، ومنها ما يبطن بالديباج والحرير ، ومنها ما يجلّد بالأدَم الجيّد ، وكانت مكتبة سابور بن أردشير ، وزير بهاء الدولة البويهي التي أنشأها بالكرخ من بغداد سنة ( ٣٨١ هـ ) تضمّ الآلاف من تلك الكتب القيّمة ، ولكن الطائفيّة البغيضة جنت على حضارة الامّة ، فأحرقت بهمجيّتها تراثها العتيد الذي شيّدته العقول الشيعيّة ببغداد.