[١٧ ـ ١٨] (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) أي طلب الضياء بإشعال النار (فَلَمَّا أَضاءَتْ) النار (ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فكما إن الذي استوقد ثم طفئت ناره ، يبقى في الظلمة ويتحسر ، كذلك المنافق ، فإنه بإسلامه الظاهري يعامل في الدنيا معاملة المؤمن ، فتضيء ظاهر دنياه بإسلامه هذا ، ثم إذا مات وقع في ظلمة العذاب. (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) جمع أصم وأبكم وأعمى ، وهو الذي لا يسمع ولا يتمكن من التكلم ولا يبصر ، والمنافق هذا حاله ، لأنه لا ينتفع بسمعه في قبول الهداية ، ولا بلسانه في نشر الهداية ، ولا ببصره في رؤية الآيات (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن نفاقهم.
[١٩ ـ ٢٠] (أَوْ) مثلهم والهداية (كَصَيِّبٍ) فالهداية كالمطر الشديد (مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) فإن السحاب المتراكم يوجب ظلمة الفضاء (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ) أي الذين ابتلوا بهذا المطر (أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) أي من خشية أن تخلع الصواعق قلوبهم ، إذا سمعوا صوتها (حَذَرَ الْمَوْتِ) أي إن جعلهم الأصابع في الآذان ، من جهة خوفهم من الموت بسبب صوت الصاعقة (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) إحاطة علم وقدرة ، فجعل أصابعهم في آذانهم ، لا يدفع عنهم الموت ، وهذا مثل المنافق عند بزوغ شمس الإسلام ، حيث إن في الإسلام ظلمات للمنافق ، وهو ما إذا غلب الكفار فكأنه ظلمة له لتظاهره بالإسلام ، أو إذا أمر الإسلام بالجهاد فالمنافق في ظلمة حيرته فلا يتمكن من توطيد نفسه للقتل لعدم إسلامه ولا يمكنه التخلف خوفا من كشف أمره ، ورعد وهو تهديدات الإسلام لمن خالف ، وبرق وهو ما إذا تقدم المسلمون ، كأنه برق ينير الطريق ، والمنافق لا يريد سماع التهديدات لئلا يظهر الخوف على وجهه ، فيتبين نفاقه. (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ) أي يعمي ، لأن الباطل لا يتمكن أن يرى تقدم الحق (أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) أي ساروا في ضوء الإسلام إلى الأمام (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ) بأن غلب الكفار (قامُوا) أي وقفوا في مكانهم لا يعلمون للإسلام (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) فكما أن الله قادر بأن يعمي ببريق البرق ، ويصم بصوت الرعد الذين أصابهم الصيب ، كذلك الله قادر أن يفعل ذلك بالمنافق ، بمعنى إن أمره بيد الله ، ولا ينفع الحذر عن ضرره بالإسلام (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
[٢١] (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي إن الخلق لأجل التقوى.
[٢٢] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) كالفرش مهيأ لمصالحكم (وَالسَّماءَ بِناءً) كسقف البيت الواقي لأهله (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ) بالماء (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أمثالا ، أي لا تشركوا بالله ، فإن الله وحده خلقكم وهيأ لكم كل شيء (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي والحال أنتم تعرفون أن الله خلقكم ورزقكم دون غيره.
[٢٣] (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) شك (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي في شك من صدق القرآن (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) أي الذين يشهدون أن القرآن ليس من عند الله ، أدعوهم ليساعدوكم في الإتيان بمثل سورة (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن القرآن ليس كلام الله.
[٢٤] (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) بإتيان مثل سورة (وَلَنْ تَفْعَلُوا) هذا إخبار بأنهم لا يقدرون من الإتيان بمثل سورة (فَاتَّقُوا النَّارَ) أي لا تكفروا ، لأن الكفر عاقبته النار (الَّتِي وَقُودُهَا) أي الذي يشعلها ، عوض قطع الخشب والعود (النَّاسُ) للتهويل (وَالْحِجارَةُ) للتشديد والدلالة على عظمة النار (أُعِدَّتْ) هيئت (لِلْكافِرِينَ).