[٣٠] (وَإِذْ قالَ) أي اذكر يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قول (رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ) أي أريد أن أجعل (فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أي إنسانا يخلف الخلق الذي كان سابقا ، أو خلفا لي يمثلني في الأرض وهم الأنبياء والأئمة عليهمالسلام (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) أي يريق الدم الحرام ، وقد علمت الملائكة أن طبيعة الأرض طبيعة فساد وقتل (وَنَحْنُ) أي اجعل الخليفة منا ، فإنا لا نفسد ، بل (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) أي ننزهك تنزيها من سنخ الحمد ، فإن من حمد الله تعالى فقد نزهه ، كقولك ننزهك بذكر فضائلك ، أو ننزهك متلبسين بحمدك فإن التنزيه هو التبرئة عما لا يليق به ، والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري (وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نطهر الأرض من الأدناس لأجلك ، من (قدّسه) إذا ذكر طهارته عن الأدناس (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أعلم أن من بين البشر أناس كرام ، وأخلق الخليفة لأجل أولئك الطاهرين وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها عليهمالسلام.
[٣١] (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وحيث أراد الله تعالى إعلام الملائكة بأن خلق آدم إنما هو لفضله ، وإنه قابل لما ليسوا بقابلين له ، علمه أسامي الأشياء والحقائق فتعلمها ، لكن الملائكة لم يكونوا قابلين لهذا التعلم ، كالولد الفطن الذي يتعلم بما لا يتعلمه الولد غير الذكي ، فإن الإنسان خلق من العناصر المختلفة القابلة لإدراكات ليست الملائكة قابلة لها ، ولذا كان الإنسان الصالح أفضل من الملائكة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) أي مسميات تلك الأسماء (عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي) أخبروني (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) إشارة إلى المسميات ، وهذا كقولك : علمت زيدا أسماء الأدوية ، ثم عرضت الأدوية عليه وقلت له أخبرني بأسماء هذه الأدوية (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم بأنكم أحق بالخلافة من آدم.
[٣٢] (قالُوا) أي الملائكة (سُبْحانَكَ) أنت منزه لا تفعل غير الصلاح ، فخلقك لآدم واستخلافك إياه فيه مصلحة (لا عِلْمَ لَنا) بأسماء هؤلاء (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) فإنك لم تركب فينا ما نتعلم بسببه هذه الأسماء (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) فأنت أعلم بمصلحة استخلاف آدم (الْحَكِيمُ) الذي تضع كل شيء في موضعه اللائق به.
[٣٣] (قالَ) الله سبحانه (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) أخبر الملائكة (بِأَسْمائِهِمْ) بأسماء هؤلاء (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) أخبر آدم عليهالسلام الملائكة بأسماء هؤلاء (قالَ) الله للملائكة بعد ظهور تفوق آدم عليهالسلام عليهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ما غاب عنكم ، فإن فضل آدم كان غائبا عليهم وهم يجهلونه ، أو كل شيء غائب سواء كان في السماء أو في الأرض (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) أي تظهرون من عدم الاحتياج إلى خلق آدم (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أي تخفون في نفوسكم من إرادتكم أن أجعل منكم خليفة.
[٣٤] (وَإِذْ) أي اذكر يا رسول الله الزمان الذي (قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) أي امتنع من السجود (وَاسْتَكْبَرَ) أي تكبر حيث رأى نفسه وزعم انه أشرف من آدم (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) بسبب هذا الإباء.
[٣٥] (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) حواء (الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً) أي أكلا واسعا مباركا لكثرة أرزاق الجنة (حَيْثُ شِئْتُما) أي : من أي مكان من الجنة (وَلا تَقْرَبا) بالأكل من (هذِهِ الشَّجَرَةَ) شجرة خاصة قيل : هي الحنطة ، وقد كان النهي عن أكلها للامتحان (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) إذا أكلتما من هذه الشجرة.
[٣٦] (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) أي حملهما على الزلة والسقوط بسبب وسوسته (عَنْها) أي عن الجنة حيث أكلا من الشجرة