[٨٤] (وَإِذْ أَخَذْنا) واذكروا يا بني إسرائيل الزمان الذي أخذنا فيه (مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) كان الميثاق أن لا يريق بعضكم دم بعض (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) بتبعيد بعضكم بعضا عن الديار (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بالميثاق وقبلتموه (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أي تشهدون بالإقرار ، وهذا كقوله : (أقر وأنا شاهد على هذا).
[٨٥] (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي إنكم بعد الإقرار نقضتم ذلك ، وأنتم جماعة يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ) أي بعضكم (مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) أي يعاون بعضكم مع بعض في القيام ضد أولئك الفريق (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) أي أن التظاهر تظاهر معصية وتعد وظلم ، لا تظاهر في الحق والعدل (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) الآن الفريق الذي أخرجتموه من البلد (أُسارى) جمع أسير (تُفادُوهُمْ) أي تعطون الفدية لأجل خلاصهم ، فإذا رأيتم الآن هذا الذي تخرجونه من البلد في يد غيركم أسيرا تعطون الفدية لخلاصه! فما هذا التناقض في أعمالكم؟ (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) أي يحرم عليكم إخراج وتبعيد هؤلاء الفريق من البلد ، ولفظة (هو) عائد إلى (الإخراج) (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) الذي يأمركم بالفدية (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) الذي ينهى عن القتل والإخراج ، والاستفهام إنكاري ، والمراد بالكتاب التوراة (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) أي الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض (إِلَّا خِزْيٌ) وذل (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل يعلم كل أعمالكم فيجازيكم عليها.
[٨٦] (أُولئِكَ الَّذِينَ) يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض (اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أخذوا الحياة الدنيا ، وأعطوا بدلها الآخرة (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) في الآخرة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد من عذاب الله.
[٨٧] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (وَقَفَّيْنا) أي اتبعنا (مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) فكان كثير من الرسل بعد موسى عليهالسلام (وَآتَيْنا) أعطينا (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) الأدلة الواضحات الدالة على نبوته (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) روح طاهرة عن الآثام ، والتأييد بمعنى التقوية ، ولعل المراد به جبرئيل عليهالسلام (أَفَكُلَّما) استفهام إنكاري (جاءَكُمْ) أيها اليهود (رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) أي جاءكم رسول بالحكم الذي لا تميلون إليه (اسْتَكْبَرْتُمْ) تكبرتم عن الإطاعة لذلك الرسول (فَفَرِيقاً) من الرسل كموسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) كزكريا عليهالسلام ويحيى عليهالسلام.
[٨٨] (وَقالُوا) اليهود (قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف ، أي في غطاء فلا نفهم ما تقول يا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (بَلْ) ليس في غلاف وإنما (لَعَنَهُمُ اللهُ) بعّدهم الله عن قبول الحق (بِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كفرهم ، فحيث إنهم عقدوا العزم على الكفر بعّدهم الله عن الهداية ، كما أنك لو أعطيت ولدك مالا ليتاجر ، فعزم الولد على المقامرة بالمال ، طردته من قربك (فَقَلِيلاً ما) مبالغة للقلة (يُؤْمِنُونَ).