[١٠٢ ـ ١٠٥] (وَاتَّبَعُوا) أي إن اليهود لما جاءهم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم تركوا اتباعه ، بل اتبعوا كتب السحر ، فعوض أن يؤمنوا بالرسل وبالقرآن ، أخذوا يتبعون كتب السحر التي كانت على عهد سليمان عليهالسلام ، والتي كانت من متروكات هاروت وماروت (ما تَتْلُوا) أي ما تقرأ ، وهذا مستقبل بمعنى الماضي (الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أي في زمن ملك سليمان عليهالسلام فإن الشياطين كتبوا السحر وألقوه تحت كرسي سليمان عليهالسلام بعد موته ، ليظن الناس أن سليمان عليهالسلام كان بالسحر نال ما نال من الملك (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) فإن السحر كفر ، ولو كان سليمان عليهالسلام يعمل بالسحر لكان كافرا ، والعياذ بالله (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) الذين كتبوا السحر وألقوه تحت كرسي سليمان عليهالسلام (كَفَرُوا ، يُعَلِّمُونَ) أولئك الشياطين (النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) أي اتبعوا ما أنزل ، فإن الله أنزل على هاروت وماروت السحر ، حيث إن السحر شاع في ذلك الزمان ، فأنزل الله الملكين وعرفهما السحر ، ليعلموا الناس السحر وما يبطله ، وذلك التعليم كان بقصد إبطال السحر ، كما يقول الطبيب للمريض : (السم مهلك ودواؤه كذا) لكن الناس حيث تعلموا السحر أخذوا يعملون به عصيانا لله تعالى (بِبابِلَ) مدينة قرب الحلة في العراق (هارُوتَ وَمارُوتَ) عطف بيان لملكين (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) لا يعلّم الملكان أحدا شيئا من السحر (حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي إنا امتحان لكم أيها البشر (فَلا تَكْفُرْ) باستعمال السحر ، بل استعمل مبطل السحر فقط (فَيَتَعَلَّمُونَ) الناس (مِنْهُما) أي من الملكين (ما) أي سحرا (يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) بينما كان من الضروري أن يتعلموا ما يبطلون به التفرقة ، فإن الملكين كانا يقولان : (إن كذا يفرق ، وإن كذا يبطل السحر المفرق) لكن الناس كانوا يعملون بالسحر لا بمبطل السحر (وَما هُمْ) العاملون بالسحر (بِضارِّينَ بِهِ) أي بسبب السحر (مِنْ أَحَدٍ) أي أحدا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) إذنا تكوينيا ، حيث إن الله جعل هذا الأثر المفرق في السحر وهذا لإفادة أن الناس تحت قبضة الله واختياره سواء أطاعوا أم عصوا ، حتى لا يزعم العاصي أنه خرج عن تحت سلطة الله تعالى (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) تأكيد ل (ما يضرهم) (وَلَقَدْ عَلِمُوا) هؤلاء اليهود الذين كفروا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم واتبعوا سحر الشياطين وسحر الملكين (لَمَنِ) أي الذي ، ف (اللام) للتأكيد (اشْتَراهُ) أي اشترى السحر ، كأنه أعطى الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخذ السحر مكانه (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) نصيب من الخير (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) باعوا أنفسهم لعذاب الآخرة ، واشتروا مكانه الكفر والسحر (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كانوا يعلمون لعلموا قبح ما شروه. (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي أهل الكتاب (آمَنُوا وَاتَّقَوْا) المعاصي (لَمَثُوبَةٌ) أي ثواب (مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) من السحر والكفر (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كان لهم علم لعلموا خيرية الثواب. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) وهذه سيئة أخرى من سيئات اليهود فإنهم كانوا يقولون لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (راعنا) أي راع أحوالنا ، وهذا كان في لغتهم شتما بمعنى (أسمعت لا سمعت) وكانوا يقصدون الشتم لخبثهم (وَقُولُوا انْظُرْنا) ومعناه راع أحوالنا وتلطف بنا ، وإنما وجه الخطاب للمؤمنين لأنهم المنتفعون بالخطاب (وَاسْمَعُوا) سماع إطاعة (وَلِلْكافِرِينَ) الذين يخالفون أمر الله تعالى (عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم. (ما يَوَدُّ) أي لا يحب (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وهذا تكذيب لليهود الذين كانوا ينافقون فيقولون للمؤمنين إنا نحب الخير لكم ، وهم مقابل الذين آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أهل الكتاب (وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي لا يحب أهل الكتاب والمشركون أن ينزل الله خيرا على المؤمنين (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) فليس رحمة الله حسب أهواء الكفار (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).