اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) قيل يعني بذلك علماءهم علموا أنه غير مقتول (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) أي لم يكن لهم بمن قتلوه علم ، لكنهم اتبعوا ظنهم فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى ولم يكن (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ان الله تعالى نفى عن عيسى القتل على وجه التحقيق واليقين (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) يعني بل رفع الله عيسى إليه ولم يصلبوه ولم يقتلوه (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) معناه : لم يزل الله سبحانه منتقما من أعدائه ، حكيما في أفعاله وتقديراته ، فاحذروا أيها السائلون محمدا أن ينزل عليكم كتابا من السماء حلول عقوبة بكم كما حل بأوائلكم في تكذيبهم رسله. عن ابن عباس ، وما مرّ في تفسير هذه الآية من ان الله القى شبه عيسى على غيره فان ذلك من مقدور الله بلا خلاف بين المسلمين فيه ، ويجوز ان يفعله الله سبحانه على وجه التغليظ للمحنة ، والتشديد في التكليف ، ومعجزا للمسيح.
١٥٩ ـ ثم أخبر تعالى انه لا يبقى أحد منهم إلّا ويؤمن به فقال : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ان كلا الضميرين يعودان إلى المسيح ، أي ليس يبقى أحد من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلّا ويؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح اذا أنزله الله إلى الأرض وقت خروج المهدي في آخر الزمان لقتل الدجال ، فتصير الملل كلها ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) يعني عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلّغ رسالات ربه ، وأقرّ على نفسه بالعبودية ، وانه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها.
١٦٠ ـ ١٦١ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي من اليهود معناه : فبما ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي التي تقدّم ذكرها (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) ولكنّه لما طال الكلام اجمل في قوله فبظلم وأخبر انه حرّم على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا الله عليه ، وكفروا بآياته ، وقتلوا أنبياءه وقالوا على مريم بهتانا عظيما وفعلوا ما وصفه الله .. طيبات من المآكل وغيرها (أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي كانت حلالا لهم قبل ذلك ، فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الأشياء عليهم عقوبة لهم على ظلمهم (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أي وبمنعهم عباد الله عن دينه وسبيله التي شرعها لعباده (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا) أي ما فضل على رؤوس أموالهم بتأخيرهم له عن محله إلى أجل آخر (وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) أي عن الربا (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي بغير استحقاق ولا استيجاب ، وهو ما كانوا يأخذونه من الرشى في الأحكام (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ) أي هيّأنا يوم القيامة لمن جحد الله أو الرسل من هؤلاء اليهود (عَذاباً أَلِيماً) أي مؤلما موجعا.
١٦٢ ـ ثم ذكر سبحانه مؤمني أهل التوراة فقال : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والدين ، وذلك ان عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبي (ص) : ان اليهود لتعلم ان الذي جئت به حق ، وانك لعندهم مكتوب في التوراة (مِنْهُمْ) أي من اليهود يعني ابن سلام وأصحابه من علماء اليهود (وَالْمُؤْمِنُونَ) يعني أصحاب النبي من غير أهل الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يا محمد من القرآن والشرائع انه حق (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الكتب على الأنبياء والرسل (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) والمعنى : والذين يؤدون الصلاة بشرائطها (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي والمعطون زكاة أموالهم (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ) بأنه واحد لا شريك له (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (أُولئِكَ) أي هؤلاء الذين وصفهم الله (سَنُؤْتِيهِمْ) أي سنعطيهم (أَجْراً) أي ثوابا وجزاء على ما كان منهم من