معجزاته ، عن مجاهد وقتادة وأكثر المفسرين (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي منعهم عن الفتك بكم (وَاتَّقُوا اللهَ) ظاهر المعنى (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ) أي فليثق (الْمُؤْمِنُونَ) بنصر الله ، وليتوكلوا عليه ، فان الله تعالى كافيهم وناصرهم (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة له ، والإيمان برسله وما يأتون به من الشرائع (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) معناه : أخذنا من كل سبط منهم ضمينا بما عقدنا عليهم من الميثاق في أمر دينهم (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) خطاب لبني اسرائيل الذين أخذ منهم الميثاق ، أي قال الله لهم : إني معكم بالنصر والحفظ ، أنصركم على عدوي وعدوكم الذين أمرتكم بقتلهم ان قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم ، ثم ابتدأ سبحانه فقال : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) يا معشر بني اسرائيل (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) أي اعطيتموها (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) أي صدقتم بما أتاكم به رسلي من شرائع ديني (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي نصرتموهم وقيل : عظمتموهم ووقرتموهم وأطعتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي أنفقتم في سبيل الله وأعمال البر نفقة حسنة يجازيكم بها ، فكأنه قرض من هذا الوجه وقيل : معنى قوله حسنا : عفوا عن طيبة نفس ، وان لا يتبعه منّ ولا أذى (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي لأغطين على ما مضى من إجرامكم بعفوي ، وإسقاطي عنكم وبال ذلك (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ظاهر المعنى (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ) أي بعد بعث النقباء ، وأخذ الميثاق (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي أخطأ قصد الطريق الواضح ، وزال عن منهاج الحق.
١٣ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) فيه تسلية للنبي (ص) يقول : لا تعجبن يا محمد من هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك ، وينكثوا العهد الذي بينك وبينهم ويغدروا بك ، فإن ذلك دأبهم ، وعادة اسلافهم الذين أخذت ميثاقهم على طاعتي في زمن موسى ، وبعثت منهم اثني عشر نقيبا ، فنقضوا ميثاقي وعهدي ، فلعنتهم بنقضهم ذلك العهد والميثاق (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولا تلين ومعناه : سلبناهم التوفيق واللطف الذي تنشرح به صدورهم حتى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، وهذا كما يقول الإنسان لغيره : أفسدت سيفك ، إذا ترك تعاهده حتى صدىء ، وجعلت أظافيرك سلاحك إذا لم يقصها (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) أي يفسرونه على غير ما أنزل ، ويغيرون صفة النبي (ص) (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وتركوا نصيبا مما وعظوا به ، ومما أمروا به في كتابهم من اتباع النبي فصار كالمنسي عندهم ، ولو آمنوا به واتبعوه لكان ذلك لهم حظا (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) يعني على كذب وزور ، ونقض عهد ، ومظاهرة للمشركين على رسول الله (ص) وغير ذلك مما كان يظهر من اليهود من أنواع الخيانات (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم يخونوا (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) ما داموا على عهدك ولم يخونوك (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ظاهر المعنى.
١٤ ـ (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) أي ومن الذين ذكروا انهم نصارى أخذنا الميثاق بالتوحيد والإقرار بنبوة المسيح وجميع أنبياء الله ، وانهم كانوا عبيد الله ، فنقضوا هذا الميثاق واعرضوا عنه ، وهذا اشارة إلى انهم ابتدعوا النصرانية التي هم عليها اليوم وتسموا بها (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) مرّ بيانه (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) المراد بين أصناف النصارى خاصة ، من اليعقوبية والملكائية والنسطورية من الخلاف والعداوة وإنما أغرى بينهم العداوة