أنت (لِلَّهِ) أي ملكهما وخلقهما ، والتصرف فيهما كيف يشاء له (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجب على نفسه الإنعام على خلقه (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة ، فيكون تفسيرا للرحمة على ما ذكرناه أن المراد به إمهال العاصي ليتوب (لا رَيْبَ فِيهِ) معناه ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي أهلكوها بارتكاب الكفر والعناد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بالحق (وَلَهُ ما سَكَنَ) أي وله كل متمكن ساكن (فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) خلقا وملكا وإنما ذكر الليل والنهار هنا ، وذكر السماوات والأرض فيما قبل ، لأن الأول يجمع المكان ، والثاني يجمع الزمان وهما ظرفان لكل موجود ، فكأنه أراد الأجسام والأعراض ولما نبه على اثبات الصانع عقبّه بذكر صفته فقال : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) والسميع : هو الذي على صفة يصح لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وجدت ، وهو كونه حيا لا آفة به ولذلك يوصف به فيما لم يزل ، والعليم : هو العالم بوجوه التدابير في خلقه وبكل ما يصح أن يعلم.
١٤ ـ ١٥ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سبق ذكرهم (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) أي مالكا ومولى ، ووليّ الشيء مالكه الذي هو أولى به من غيره والمعنى : لا أتخذ غير الله وليّا (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومنشئهما من غير احتذاء على مثال (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) أي يرزق ولا يرزق والمراد : يرزق الخلق ولا يرزقه أحد (قُلْ) يا محمد (إِنِّي أُمِرْتُ) أي أمرني ربي (أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أي استسلم لأمر الله ، ورضي بحكمه (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المعنى أمرت بالأمرين جميعا : أي أمرت بالإيمان ، ونهيت عن الشرك (قُلْ) يا محمد (إِنِّي أَخافُ) معناه : أوقن وأعلم (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بترك أمره وترك نهيه (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني يوم القيامة ، ومعنى العظيم هنا : أنه شديد على العباد ، وعظيم في قلوبهم.
١٦ ـ (مَنْ يُصْرَفْ) العذاب (عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) الله يريد من غفر له فإنه يثيبه الله لا محالة ، وذكر سبحانه الرحمة مع صرف العذاب لئلا يتوهم أنه ليس له إلّا صرف العذاب عنه فقط (وَذلِكَ الْفَوْزُ) أي الظفر بالبغية (الْمُبِينُ) الظاهر البيّن ، ويحتمل أن يكون معنى الآية : أنه لا يصرف العذاب عن أحد إلّا برحمة الله.
١٧ ـ ١٨ ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) أي ان يمسك بفقر أو مرض أو مكروه (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أي لا مزيل ولا مفرج له عنك إلّا هو ، ولا يملك كشفه سواه مما يعبده المشركون (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) أي وان يصبك بغنى ، أو سعة في الرزق ، أو صحة في البدن ، أو شيء من محاب الدنيا (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الخير والضر (قَدِيرٌ) ولا يقدر أحد على دفع ما يريده لعباده من مكروه أو محبوب والضر اسم جامع لكل ما يتضرر به من المكاره ، كما ان الخير اسم جامع لكل ما ينتفع به (وَهُوَ الْقاهِرُ) ومعناه : القادر على أن يقهر غيره (فَوْقَ عِبادِهِ) معنى فوق ههنا قهره واستعلاؤه عليهم ، فهم تحت تسخيره وتذليله بما علاهم به من الإقتدار الذي لا ينفك منه أحد (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) معناه : أنه مع قدرته عليهم لا يفعل إلّا ما تقتضيه الحكمة ، والخبير : العالم بالشيء.
١٩ ـ ٢٠ ـ (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ) أي أعظم (شَهادَةً) معناه أيّ شيء أكبر شهادة حتى يشهد لي بالبلاغ ، وعليكم بالتكذيب؟ (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يشهد لي بالرسالة والنبوة (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) أي أنزل إليّ حجة وشهادة على صدقي (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم به من عذاب الله تعالى (وَمَنْ بَلَغَ) أي ولا خوّف به