من بلغه القرآن إلى يوم القيامة ، وقال محمد بن كعب : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا وسمع منه. ثم قال سبحانه تعالى موبّخا لهم قل يا محمد لهم (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) هذا استفهام معناه الجحد والإنكار ، وتقديره : كيف تشهدون أن مع الله آلهة أخرى بعد وضوح الأدلة ، وقيام الحجة بوحدانية الله تعالى؟ ثم قال سبحانه لنبيه : (قُلْ) أنت يا محمد (لا أَشْهَدُ) بمثل ذلك وإن شهدتم بإثبات الشريك لله بعد قيام الحجة بوحدانية الله تعالى ثم قال : (قُلْ) يا محمد لمن شهد أنّ معه آلهة أخرى (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به وبعبادته من الأوثان وغيرها. ثم ذكر سبحانه أن الكفار بين جاهل ومعاند فقال : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) وهذا مفسر في سورة البقرة (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) المعنيّ به أهل الكتاب ، قال عبد الله بن سلام : نعرف نبي الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا أبنه إذا رآه بين الغلمان ، وايم الله الذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد أشدّ معرفة مني بابني.
٢١ ـ ٢٢ ـ ثمّ بيّن سبحانه ما يلزمهم من التوبيخ والتهجين بالإشراك فقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) معناه : ومن أكفر ممن اختلق على الله كذبا فأشرك به الآلهة (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن وبمحمد ومعجزاته (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا يفوز برحمة الله وثوابه ورضوانه ، ولا بالنجاة من النار الظالمون ، والظالم ههنا : هو الكافر بنبوة محمد (ص) ، المكذب بآياته ، الجاحد لها (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) عني بهم من تقدّم ذكرهم من الكفار فإنه سبحانه يحشرهم يوم القيامة من قبورهم إلى موضع الحساب (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) إن المشركين كانوا يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، فقيل لهم يوم القيامة : أي شركاؤكم الذين كنتم تزعموا أنّها تشفع لكم؟ توبيخا لهم وتبكيتا على ما كانوا يدعونه ومعنى تزعمون ، تكذبون.
٢٣ ـ ٢٤ ـ ثمّ بيّن سبحانه جواب القوم عند توجه التوبيخ إليهم فقال : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) الفتنة ها هنا الشرك ، والإفتتان بالأوثان (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) معناه : ما كنا مشركين في الدنيا عند أنفسنا وفي اعتقدانا وتقديرنا ، وذلك أن المشركين في الدنيا يعتقدون كونهم مصيبين فيحلفون على هذا في الآخرة (انْظُرْ) يقول الله تعالى عند حلف هؤلاء : انظر يا محمد (كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) وهذا وإن كان لفظه لفظ الإستفهام فالمراد به التنبيه على التعجب منهم ومعناه : انظر إلى اخباري عن افترائهم كيف هو؟ فإنه لما كان قولهم ما كنا مشركين كذبا في الحقيقة جاز أن يقال : كذبوا على أنفسهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي ضلت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ، ويفترون الكذب بقولهم : هؤلاء ، شفعاؤنا عند الله غدا ، فذهبت عنهم في الآخرة فلم يجدوها ولم ينتفعوا بها.
٢٥ ـ ثم وصف الله سبحانه حالهم عند استماع القرآن فقال : (وَمِنْهُمْ) أي ومن الكفار الذين تقدّم ذكرهم (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) يريد يستمعون إلى كلامك (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) قد ذكرنا الكلام فيه في سورة البقرة عند قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) معناه وإن يروا كل معجزة دالة على نبوتك لا يؤمنوا بها لعنادهم (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) يعني أنهم إذا دخلوا عليك يجيئون مجيء مخاصمين ، مجادلين ، رادين عليك قولك ، ولم يجيئوا مجيء من يريد الرشاد والنظر في الدلالة الدالة على توحيد الله ، ونبوة نبيه (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي ما هذا القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي