أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها.
٢٦ ـ ثم كنّى عن الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي ينهون الناس عن اتباع النبي (ص) ، ويتباعدون عنه فرارا منه (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) معناه : ما يهلكون بنهيهم عن قبوله ، وبعدهم عنه إلّا أنفسهم (وَما يَشْعُرُونَ) أي وما يعلمون إهلاكهم إياها بذلك.
٢٧ ـ ٢٨ ـ ثمّ بيّن سبحانه ما ينال هؤلاء الكفار يوم القيامة من الحسرة ، وتمني الرجعة فقال : (وَلَوْ تَرى) يا محمد ، أو يا أيها السامع (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) المعنى : عاينوا النار ، (فَقالُوا) أي فقال الكفار حين عاينوا العذاب ، وندموا على ما فعلوا (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) إلى الدنيا (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) أي بكتب ربنا ورسله ، وجميع ما جاءنا من عنده (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني من جملة المؤمنين بآيات الله (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) فأظهره الله ، وشهدت به جوارحهم ، وظهرت فضيحتهم في الآخرة ، وتهتكت أستارهم (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) أي لو ردوا إلى الدنيا وإلى حال التكليف كما طلبوه لعادوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) معناه : هم كاذبون فيما يخبرون به عن أنفسهم بأنهم متى ردوا آمنوا.
٢٩ ـ ٣٠ ـ (وَقالُوا إِنْ هِيَ) أي ما هي (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) عنوا بذلك أنه لا حياة لنا في الآخرة ، وإنما هي هذه التي حيينا بها في الدنيا (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي لسنا بمبعوثين بعد الموت ، ثم خاطب سبحانه نبيه (ص) فقال : (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) المعنى : وقفوا على ما وعدهم ربهم من العذاب الذي يفعله بالكفار ، والثواب الذي يفعله بالمؤمنين في الآخرة ، وعرفوا صحة ما أخبرهم به من الحشر والحساب (قالَ) أي يقول الله تعالى لهم (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) كما قالت الرسل ، وهذا سؤال توبيخ وتقريع ، وقوله : هذا إشارة إلى الجزاء والحساب والبعث (قالُوا) أي فيقول هؤلاء الكفار مقرّين بذلك ، مذعنين له (بَلى) هو حق (وَرَبِّنا) قسم ذكروه وأكّدوا اعترافهم به (قالَ) الله تعالى (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بكفركم ، وإنما قال : ذوقوا لأنهم في كل حال يجدون ذلك وجدان الذائق المذوق في شدة الإحساس.
٣١ ـ ٣٢ ـ ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار ، فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) المراد : بلقاء جزاء الله كما يقال للميت : لقي فلان عمله ، أي لقي جزاء عمله (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) أي القيامة (بَغْتَةً) أي فجأة (قالُوا) عند معاينة ذلك اليوم وأهواله ، وتباين أحوال أهل الثواب والعقاب (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) أي على ما تركنا وضيّعنا في الدنيا من تقديم أعمال الآخرة (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) أي أثقال ذنوبهم (عَلى ظُهُورِهِمْ) وقال ابن عباس : يريد آثامهم وخطاياهم ، وقال قتادة والسدي : ان المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة ، وأطيبه ريحا فيقول : أنا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم ، فذلك قوله : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ) وفدا : أي ركبانا ، وان الكافر إذا خرج من قبره استقبله أقبح شيء صورة ، وأخبثه ريحا فيقول : أنا عملك السيء طال ما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم ، وذلك قوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي بئس الحمل حملهم ، ثم ردّ قولهم : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) أي باطل وغرور إذا لم يجعل ذلك طريقا إلى الآخرة (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) وما فيها من أنواع النعيم والجنان (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) معاصي الله لأنها باقية دائمة لا يزول عنهم