نعيمها ، ولا يذهب عنهم سرورها (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن ذلك كما وصف لهم فيزهدوا في شهوات الدنيا ، ويرغبوا في نعيم الآخرة ، ويفعلوا ما يؤديهم إلى ذلك من الأعمال الصالحة ، وفي هذه الآية تسلية للفقراء بما حرموا من متاع الدنيا.
٣٣ ـ ٣٤ ـ ثم سلّى سبحانه نبيّه (ص) على تكذيبهم إياه بعد إقامة الحجة عليهم فقال : (قَدْ نَعْلَمُ) نحن يا محمد (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) أي ما يقولون : إنك شاعر أو مجنون وأشباه ذلك (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) معناه : لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عنادا ، وهو قول أكثر المفسرين قالوا : يريد أنهم يعلمون أنك رسول الله ولكن يجحدون بعد المعرفة (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أي بالقرآن والمعجزات يجحدون بغير حجة سفها وجهلا وعنادا ثم زاد سبحانه في تسلية نبيه (ص) بقوله : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا) أي صبروا على ما نالهم منهم من التكذيب والأذى في أداء الرسالة (حَتَّى أَتاهُمْ) جاءهم (نَصْرُنا) إياهم على المكذبين (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) معناه : لا أحد يقدر على تكذيب خبر الله ، ولا على إخلاف وعده ، وإن ما أخبر الله به أن يفعل بالكفار فلا بد من كونه لا محالة ، وما وعدك به من نصره فلا بد من حصوله لأنه لا يجوز الكذب في إخباره ، ولا الخلف في وعده (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم.
٣٥ ـ ٣٧ ـ ثمّ بيّن سبحانه أن هؤلاء الكفار لا يؤمنون فقال مخاطبا لنبيه (ص) : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ) أي عظم واشتد (عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) وانصرافهم عن الإيمان وقبول دينك ، وامتناعهم من اتباعك وتصديقك (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) أي قدرت وتهيأ لك (أَنْ تَبْتَغِيَ) أي تطلب وتتخذ (نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) أي سربا في جوف الأرض (أَوْ سُلَّماً) أي مصعدا (فِي السَّماءِ) ودرجا (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) أي حجة تلجئهم إلى الإيمان ، وتجمعهم على ترك الكفر فافعل ذلك (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) بالإلجاء ، ولم يفعل ذلك لأنه ينافي التكليف ، ويسقط استحقاق الثواب الذي هو الغرض بالتكليف (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) معناه : فلا تجزع ولا تتحسر لكفرهم وإعراضهم عن الإيمان (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) ومعناه : انما يستجيب إلى الإيمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك ، ويصغي إليك وإلى ما تقرأه عليه من القرآن ، ويتفكر في آياتك ، فإن من لم يتفكر ولم يستدل بالآيات بمنزلة من لم يسمع (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) يريد أن الذين لا يصغون إليك من هؤلاء الكفار ، ولا يتدبرون فيما تقرأه عليهم وتبينه لهم من الآيات والحجج بمنزلة الموتى ، فكما أيست أن تسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله ، فكذلك فآيس من هؤلاء أن يستجيبوا لك ، ثم وصف الموتى بأن يبعثهم ويحكم فيهم (ثُمَّ إِلَيْهِ) أي إلى حكمه (يُرْجَعُونَ) معناه : يبعثهم الله من القبور ، ثم يرجعون إلى موقف الحساب ، ثم عاد سبحانه إلى حكاية أقوال الكفار فقال عاطفا على ما تقدم : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) هذا إخبار عن رؤساء قريش لما عجزوا من معارضته فيما أتى به من القرآن اقترحوا عليه مثل آيات الأولين : كعصا موسى ، وناقة ثمود فقال سبحانه : (قُلْ) يا محمد (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) كما يسألونها (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما في انزالها من وجوب الاستئصال لهم إذا لم يؤمنوا عند نزولها ، وما في الإقتصار بهم على ما أوتوه من الآيات من المصلحة.
٣٨ ـ ٣٩ ـ لما بيّن سبحانه أنه قادر على أن ينزل آية عقّبه بذكر ما يدل على كمال قدرته ، وحسن تدبيره وحكمته فقال :