العقوبة (بَغْتَةً) أي مفاجأة من حيث لا يشعرون (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي آيسون من النجاة والرحمة (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) معناه : فاستؤصل الذين ظلموا بالعذاب فلم يبق لهم عقب ولا نسل (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على إهلاك أعدائه ، وإعلاء كلمة رسله ، حمد الله تعالى نفسه بأن استأصل شأفتهم ، وقطع دابرهم ، لأنه سبحانه أرسل إليهم وانظرهم بعد كفرهم وأخذهم بالبأساء والضراء ، واختبرهم بالمحنة والبلاء ، ثم بالنعمة والرخاء ، وبالغ في الإنذار والإمهال والإنظار ، فهو المحمود على كل حال.
٤٦ ـ ٤٩ ـ ثمّ زاد سبحانه في الإحتجاج عليهم فقال : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) أي ذهب بهما فصرتم صمّا عميا (وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي طبع عليها ، وانما خصّ هذه الأشياء بالذكر لأن بها تتم النعمة دينا ودنيا (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) المعنى : من إله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم قال ابن عباس : يريد لا يقدر هؤلاء الذين يعبدون أن يجعلوا لكم أسماعا وأبصارا وقلوبا تعقلون بها ، وتفهمون ، أي إن أخذها الله منكم فمن يردها عليكم؟ بيّن سبحانه بهذا أنه كما لا يقدر على ذلك غير الله فكذلك يجب أن لا تعبدوا سواه (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي نبين لهم في القرآن الآيات (ثُمَّ هُمْ) أي الكفار (يَصْدِفُونَ) أي يعرضون عن تأمل الآيات والفكر فيها وقيل : إعراضهم عنها كفرهم بها ثم زاد تعالى في الحجاج فقال : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) أي أعلمتم (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) أي عذبكم الله بعد اعذاره عليكم ، وإرساله الرسل (بَغْتَةً) أي مفاجأة (أَوْ جَهْرَةً) أي علانية وقيل : البغتة أن يأتيهم ليلا ، والجهرة أن يأتيهم نهارا (هَلْ يُهْلَكُ) أي لا يهلك بهذا العذاب (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) أي الكافرون الذين يكفرون بالله ، ويفسدون في الأرض ثم بيّن سبحانه أنه لا يبعث الرسل أربابا يقدرون على كل شيء يسألون عنه من الآيات ، وإنما يرسلهم لما يعلمه من المصالح فقال : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ثم ذكر الآية الثانية فقال : (فَمَنْ آمَنَ) أي صدق الرسل (وَأَصْلَحَ) أي عمل صالحا في الدنيا (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) كما يحزن أهل النار (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي أدلتنا وحججنا (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ) يصيبهم العذاب يوم القيامة (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي بفسقهم وخروجهم من الإيمان.
٥٠ ـ ثم أمر النبي (ص) أن يقول لهم بعد اقتراحهم الآيات منه : اني لا أدعي الربوبية ، وإنما ادعي النبوة فقال : (قُلْ) يا محمد (لا أَقُولُ لَكُمْ) أيها الناس (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) يريد خزائن رحمة الله وقيل : أرزاق الخلق حتى يؤمنوا طمعا في المال (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) الذي يختص الله بعلمه وإنما أعلم قدر ما يعلمني الله تعالى من أمر البعث والنشور ، والجنة والنار ، وغير ذلك (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) لأني إنسان تعرفون نسبي (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) يريد ما أخبركم إلّا بما أنزله الله إلي (قُلْ) يا محمد لهم (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي هل يستوي العارف بالله سبحانه ، العالم بدينه ، والجاهل به وبدينه؟ فجعل الأعمى مثلا للجاهل ، والبصير مثلا للعارف بالله وبنبيه وفي تفسير أهل البيت : هل يستوي من يعلم ومن لا يعلم (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فتنصفوا من أنفسكم ، وتعملوا بالواجب عليكم من الإقرار بالتوحيد.
٥١ ـ ثمّ أمر سبحانه بعد تقديم البينات بالإنذار فقال : (وَأَنْذِرْ) أي عظ وخوّف (بِهِ) أي بالقرآن (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) يريد المؤمنين يخافون يوم القيامة وما فيها من شدة الأهوال وقال الصادق (ع): انذر بالقرآن من