يرجون الوصول إلى ربهم ترغبهم فيما عنده ، فإن القرآن شافع مشفّع لهم (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) أي غير الله (وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) لأن شفاعة الأنبياء وغيرهم للمؤمنين إنما تكون بإذن الله لقوله سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، فذلك راجع إلى الله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) كي يخافوا في الدنيا ، وينتهوا عما نهيتهم عنه.
٥٢ ـ ٥٣ ـ ثم نهى سبحانه رسوله عليه وآله السلام عن إجابة المشركين فيما اقترحوه عليه من طرد المؤمنين فقال : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) يريد يعبدون ربهم بالصلاة المكتوبة (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) يعني يطلبون ثواب الله ، ويعملون ابتغاء مرضاة الله ، لا يعدلون بالله شيئا ، قال الزجاج : شهد الله لهم بصدق النيات ، وأنهم مخلصون في ذلك له ، أي يقصدون الطريق الذي أمرهم بقصده (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يريد ما عليك من حساب المشركين شيء ، ولا عليهم من حسابك شيء ، إنما الله الذي يثيب أولياءه ، ويعذب اعداءه (فَتَطْرُدَهُمْ) أي ليس رزقهم عليك ولا رزقك عليهم ، وإنما يرزقك وإياهم الرزاق (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) لهم بطردهم عن ابن زيد وقيل : فتكون من الضارين لنفسك بالمعصية عن ابن عباس (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي كما ابتلينا قبلك الغني بالفقير ، والشريف بالوضيع ، ابتلينا هؤلاء الرؤساء من قريش بالموالي فإذا نظر الشريف إلى الوضيع قد آمن قبله حمي أنفا أن يسلم ويقول : سبقني هذا بالإسلام فلا يسلم ، وإنما قال سبحانه : فتنا وهو لا يحتاج إلى الإختبار لأنه عاملهم معاملة المختبر (لِيَقُولُوا) هذه لام العاقبة ، المعنى : فعلنا هذا ليصبروا ويشكروا ، فآل أمرهم إلى هذه العاقبة (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) والإستفهام معناه الإنكار ، كأنهم أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلة ، أو خصّوا بمنة (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) هذا استفهام تقرير أي انه كذلك.
٥٤ ـ ثم أمر سبحانه نبيّه بتعظيم المؤمنين فقال : (وَإِذا جاءَكَ) يا محمد (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) أي يصدّقون (بِآياتِنا) أي بحججنا وبراهيننا (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أمر نبيّه (ص) أن يسلّم عليهم من الله تعالى ، فهو تحية من الله على لسان نبيه (ص) (كَتَبَ رَبُّكُمْ) أي أوجب ربكم (عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) إيجابا مؤكدا ، وقيل معناه : كتبه في اللوح المحفوظ ، وقد سبق بيان هذا في أول السورة (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) أنه عمله وهو جاهل بمقدار المكروه فيه ، أي لم يعرف أن فيه مكروها (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) أي رجع عن ذنبه ولم يصر على ما فعل ، وأصلح عمله (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
٥٥ ـ ثم عطف سبحانه على الآيات التي احتجّ بها على مشركي مكة وغيرهم فقال : (وَكَذلِكَ) أي كما قدّمنا من الدلالات على التوحيد والنبوة (نُفَصِّلُ الْآياتِ) وهي الحجج والدلالات أي نميزها ونبينها ونشرحها على صحة قولكم ، وبطلان ما يقوله هؤلاء الكفار (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي ليظهر طريق من عاند بعد البيان لمن أراد التفهم لذلك من المؤمنين ليجانبوها ، ويسلكوا غيرها.
٥٦ ـ ثم أمر الله سبحانه نبيّه بأن يظهر البراءة مما يعبدونه فقال : (قُلْ) يا محمد (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الأصنام التي تعبدونها وتدعونها آلهة (قُلْ) يا محمد (لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) في عبادتها ، أي إنما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق البيّنة ، والبرهان (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي إن أنا فعلت ذلك (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) الذين سلكوا سبيل الدين.
٥٧ ـ ٥٨ ـ لما أمر النبي (ص) بأن يتبرّأ مما يعبدونه عقّب