بعثكم كخلقكم (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) معناه : ما ملكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به من الأموال (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أي خلف ظهوركم في الدنيا ، والمراد : تركتم الأموال ، وحملتم من الذنوب الأحمال ، واستمتع غيركم بما خلفتم وحوسبتم عليه ، فيا لها من حسرة (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ) أي ليس معكم من كنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم عند الله يوم القيامة وهي الأصنام (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) معناه : زعمتم انهم شركاؤنا فيكم وشفعاؤكم ، يريد : وما نفعكم عبادة الأوثان التي كنتم تقولون انها فيكم شركاء وانها تشفع لكم عند الله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وصلكم وجمعكم (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي ضاع وتلاشى ولا تدرون أين ذهب من جعلتم شفعاءكم من آلهتكم ، ولم تنفعكم عبادتها.
٩٥ ـ ٩٦ ـ (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منها النبات ، وشاق النواة اليابسة الميتة فيخرج منها النخل والشجر (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) أي يخرج النبات الغض الطّري الخضر من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات النامي ، والعرب تسمي الشجر ما دام غضا قائما بأنه حي ، فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا (ذلِكُمُ اللهُ) أي فاعل ذلك كله الله (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي تصرفون عن الحق ويذهب بكم عن هذه الأدلة الظاهرة إلى الباطل ، أفلا تتدبرون فتعلمون انه لا ينبغي ان يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب والنوى ، واخراج الزرع من الحب والشجر من النوى شريك في عبادته؟ (فالِقُ الْإِصْباحِ) أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) تسكنون فيه وتتودعون فيه. نبه الله سبحانه على عظيم نعمته بأن جعل الليل للسكون ، والنهار للتصرف ، ودل بتعاقبهما على كمال قدرته وحكمته ثم قال : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) أي جعلهما تجريان في أفلاكهما بحساب لا يتجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما ، فتقطع الشمس جميع البروج الإثني عشر في ثلاثمائة وخمس وستين يوما وربع ، والقمر في ثمانية وعشرين يوما ، وبني عليهما الليالي والأيام ، والشهور والأعوام (ذلِكَ) إشارة إلى ما وصفه سبحانه من فلق الاصباح ، وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الذي عز سلطانه فلا يقدر أحد على الامتناع منه (الْعَلِيمِ) بمصالح خلقه وتدبيرهم.
٩٧ ـ ٩٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ) أي خلق (لَكُمُ) أي لنفعكم (النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها) أي بضوئها وطلوعها ومواضعها (فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) يهتدى بها في الأسفار وفي البلاد وفي القبلة ، وأوقات الليل ، وإلى الطرق في مسالك البراري والبحار (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي بيّنا الحجج والبينات (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي يتفكرون فيعلمون (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أي أبدعكم وخلقكم (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي من آدم (ع) لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه ، ومنّ علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التواد والتعاطف والتآلف (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) مستقر : في الرحم إلى أن يولد ، ومستودع : في القبر إلى أن يبعث (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي بيّنا الحجج ، وميّزنا الأدلة (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) مواقع الحجة ، ومواضع العبرة.
٩٩ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يريد من السحاب والعرب تقول : كلّ ما علاك فأظلّك فهو سماء (فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) والمعنى : فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء غذاء الأنعام والطير والوحش ، وأرزاق بني آدم ما يتغذّون به (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) أي من الماء (خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ) أي من ذلك الزرع الخضر (حَبًّا مُتَراكِباً) قد تركب بعضه على بعض مثل سنبلة الحنطة والسمسم وغير ذلك (وَمِنَ النَّخْلِ) أي ونخرج من النخل